يتزوجان في عمر الزهور وما تلبث تلك الزهور أن تذبل سريعا، تبدأ الحكاية بحفلة زفاف وتنتهي في أروقة محاكم الأسرة.

وبين البداية والنهاية، تختبئ أسئلة صادمة: لماذا ينهار الزواج سريعا؟ وهل أصبح الطلاق قدرا حتميا للزواج المبكر؟

في زمن تتزايد فيه معدلات الطلاق بشكل مقلق، تبرز ظاهرة لافتة تستحق التوقف وهى زواج القاصرين أو الزواج في سن صغيرة.

فهل السبب قلة النضج؟ ضغوط المجتمع؟ أم خلل في فهم معنى الزواج نفسه؟

في ضوء ذلك، قام موقع توليفة بإجراء حوار هاتفي مع الدكتورة رحمة يوسف الشريف، أخصائية الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، لنغوص معها في أعماق الظاهرة ونحلل أسبابها النفسية والاجتماعية.

س/ هل يجب أن يكون الشخص ناضجا نفسيا ليتمكن من الزواج الناجح؟

بالطبع النضج النفسي شرط أساسي لنجاح العلاقة الزوجية من دون فهم الذات والسيطرة على المشاعر والقدرة على التواصل، يصعب جدا على الشخص التعامل مع تحديات الحياة الزوجية.

س/ ما أكثر الأخطاء النفسية التي يقع فيها من يتزوجون في سن صغيرة؟

أبرزها الاندفاع، وسوء تقدير المسؤولية، والتعامل مع الزواج كأنه حلم وردي، كثيرون يخلطون بين الحب والنضج ويفتقرون لأدوات حل الخلافات أو حتى التعبير السليم عن مشاعرهم.

س/ كيف يؤثر غياب التجربة أو الفهم العاطفي على العلاقة الزوجية؟

هذا الغياب يؤدي إلى مشكلات مزمنة نقص الوعي العاطفي يولّد سوء فهم، وفجوات تواصل، وعجز عن إدارة الأزمات، مما يؤدي لاحقا إلى العنف النفسي أو العاطفي، ثم الانفصال.

س/ هل هناك من يتزوج مبكرا هروبا من مشاكل الأسرة أو ضغط المجتمع؟

نعم، وقد تكون النسبة صادمة، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 40% من حالات الزواج المبكر ناتجة عن رغبة بعض الفتيات في الهروب من تحكم الأهل أو ضغطهم الشديد فتظن أن الزواج هو طريقها إلى الحرية، لكنها تُفاجأ لاحقا بحبس من نوع آخر.

س/ ما دور الأسرة في دعم الأبناء نفسيا قبل الزواج؟ وهل يمكن أن تكون سببا في فشله؟

الأسرة تلعب دورا مهما في نجاح أو فشل الزواج حين توفر بيئة آمنة مستقرة، وتدعم أبناءها عاطفيا، وتُرشدهم بطريقة صحية، فإنها تساعدهم على اتخاذ قرارات واعية.

أما التسلط أو الإهمال فقد يدفع الأبناء إلى قرارات كارثية، ومنها الزواج المتسرع وهذا يؤدي إلى الطلاق سريعا.

س/ هل الطلاق في سن مبكرة يترك أثرا نفسيا طويل الأمد؟

أكيد بلا شك الطلاق في سن صغير، خاصة إذا وُجد مع ضعف الدعم النفسي، يترك آثارا تستمر لفترات طويلة وقد يؤثر ذلك على ثقة الفرد بنفسه، وقدرته على الدخول في علاقات صحية لاحقة.

س/ كيف نُعلم الشباب أن الزواج ليس مجرد حب وأحلام؟

يجب أن يكون هناك حوار واقعي من الأهل والمدرسة والمجتمع لابد أن يفهم الشباب أن الزواج مسؤولية وتفاهم وصبر، الحب مهم لكنه لا يكفي وحده لتكوين أسرة متماسكة.

س/ هل يُعلّم المجتمع أبناءه التحكم في مشاعرهم وفهم أنفسهم؟

للأسف المجتمع لا يمنح الشباب الأدوات النفسية للتعامل مع مشاعرهم، وهذا الفشل في بناء الوعي الذاتي سبب رئيسي في الكثير من حالات الطلاق السريع.

س/ ما نصيحتك للشباب أو الفتيات الذين يفكرون في الزواج المبكر؟

التأني ثم التأني، لا تتزوج لمجرد الهروب أو التوقعات الحالمة، قيّم نفسك نفسيا وماديا، وفكر بعقل ووعي، لا تحت ضغط الأسرة أو نظرة الناس.

س/ كيف يمكن توظيف الدعم النفسي والوعي العاطفي لتقليل نسب الطلاق؟

من خلال التثقيف النفسي المبكر، وتقديم استشارات ما قبل الزواج، وتوفير منصات حوار مفتوحة داخل الأسرة، يمكن تقوية وعي الشباب وتهيئتهم للحياة الزوجية بشكل صحي.

س/ هل السوشيال ميديا تخلق صورة مثالية خاطئة عن الزواج؟

نعم، وبشكل خطير المنصات تعرض لحظات مثالية ومصطنعة، فتغيب الحقيقة عن المتابعين، ويُفاجأ الأزواج بعد الزواج بأن الواقع مختلف تماما، فتحدث الصدمة والانفصال.

س/ هل ضعف الهوية الذاتية سبب في اتخاذ قرارات زواج متسرعة؟

بلا شك غياب الوعي بالذات يجعل الشخص هشا في قراراته، لا يعرف ماذا يريد، فينساق خلف ما يُفرض عليه أو يظنه حلما، ثم يكتشف متأخرا أنه لم يكن مستعدا.

وفي ختام حوارنا، ماذا تقولين للأهالي الذين يعتقدون أن الزواج المبكر هو الأمان لأبنائهم؟

أقول لهم الأمان الحقيقي هو في التربية الواعية، والدعم النفسي، وتنمية الشخصية السوية، لا تتعجلوا زواج أبنائكم بل احرصوا على تنشئتهم على القيم، والاختيار الصحيح، والمساندة النفسية فذلك هو الضمان الحقيقي لمستقبلهم.