في العصر الرقمي حيث يعد المحتوى وسيلة اتصال أساسية، أصبح التخطيط الاستراتيجي للمحتوى الرقمي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها حيث تتسابق الخوارزميات على جذب انتباهنا.

يجد الشباب اليوم أنفسهم غارقين في بحر من المحتوى غير الهادف يتمثل في مقاطع فيديو قصيرة، ونكات بصرية سريعة هذا هو المشهد الميهمن على شاشاتهم، بينما يظل المحتوى الذي يحمل قيمة أو معرفة ينتظر بصبر في الظل.

في هذا المشهد الرقمي الصاخب يظل المحتوى الهادف راسخا كصخرة، بينما تنجرف سفن اهتمام الشباب نحو تيارات الترفيه العابرة.

فما الذي يجعل هذا النوع من الترفيه الرقمي التافه لا يقاوم لجيل بأكمله ؟ لماذا يجد الشباب ملاذا في هذه اللحظات العابرة من المتعة السطحية أكثر من الانخراط في محتوى يُثري عقولهم وينمي قدراتهم ؟

يغري المحتوى الترفيهي القصير والسهل الشباب بسهولة لأنه يوفر متعة سريعة دون أدني فورية بضغطة زر، دون الحاجة إلى تفكير.

هذا يلبي رغبة طبيعية في اختيار الأسهل، خاصة عند الشعور بالتعب والضغط، ليصبح هذا المحتوى وسيلة هروب مؤقتة من صعوبات الحياة.

المشكلة لا تكمن في الترفيه ذاته، بل في غياب التوازن
عندما يسيطر هذا النوع من المحتوى على يومنا بالكامل، يستنزف وقتنا وطاقتنا التي كان من الممكن استثمارها في تطوير الذات، وتعلم مهارات جديدة، أو بناء علاقات اجتماعية حقيقية.

وهنا يبرز السؤال الحاسم: هل نستهلك هذا الترفيه كاستراحة مؤقتة نعود بعدها إلى أهدافنا، أم أنه تحول إلى وسيلة هروب دائمة من مسؤولياتنا وتحدياتنا؟

الإفراط في الترفيه السهل قد يمنحنا متعة مؤقتة، لكنه يحمل في طياته “ثمنًا خفيًا” ندفعه على المدى البعيد في شكل فرص ضائعة للنمو والتطور
كما يفسر علم النفس هذا الانجذاب للمحتوى الممتع سببه “الدوبامين” وهو الناقل العصبي المسؤول عن شعور اللذة والاستمتاع الذي يخلق رغبة متزايدة تؤدي إلى عادة تشبه الادمان الرقمي ومع كل تفاعل مع محتوى ممتع سواء ضحكة على مقلب أو مشاهدة فيديو يتولد دفعة صغيرة من الدوبامين في الدماغ مما يزيد الرغبة في المزيد وقد تتطور الي ما يشبه الإدمان الرقمي.

ففي عالم يملئه الأخبار السلبية والأزمات الاقتصادية يبحث الكثير من الناس عن متنفس يمنحهم لحظات الاسترخاء والضحك حتى إذا كانت هذه اللحظات قصيرة وعابره كما أن هذا المحتوى يوفر هروبًا مؤقتًا من ضغوط الواقع ويصبح مسكن مؤقت لآلام الواقع.

كما تستخدم منصات التواصل الاجتماعي “خوارزميات” ذكية تراقب تفاعلات المستخدمين لتقديم المزيد من المحتوى المشابه.

هذا المحتوى غالبًا ما يكون سريعًا ومسليًا، ويستغل للإشباع الفوري والخوف من فوات الفرصة فيما يعرف ب (FOMO).

وينتج عن ذلك اندماج وتفاعل المستخدمين في حلقة تصفح مستمرة من ذلك المحتوى الغير هادف، مما ينتج عنه مخاوف بشأن تأثير ذلك على التركيز والوقت.

ويجب علينا معرفة متى نستخدم التقنية ومتى نتوقف عن استخدامها و هما أهم شيء لتحقيق التوازن الرقمي.

كما تم عمل مقابلة مع مجموعة من الشباب المتعرضين للمحتوى غير الهادف والذين يمضون وقتا طويلاً في متابعة ومشاركة هذا المحتوى لنفهم منهم كيف يؤثر هذا المحتوى على الشباب وكان الهدف من هذة المقابلات معرفة دوافعهم وأثر هذا النوع من المحتوى على حياتهم.

فقالت ساره:- إنها تشعر بتأنيب ضمير بعدما تقضي ساعات عديدة أمام المحتوى الترفيهي وغير الهادف ولكنها تفضل رؤيتها لأنها مسيلة ولا تستهلك الذهن في التفكير بعد يوم دراسي طويل ولا يوجد لديها اي طاقة لرؤية محتوى هادف فهي تحتاج إلى محتوى مسلي يخرجها من ضغط اليوم الطويل فقط ولكنها تدرك أهمية المحتوى الهادف.

شروق :- الجميع يشاهد هذه التريندات وإذا لم تتابع هذه التريندات تشعر وأنك غريب ومنعزل عن عالمك الاجتماعي ومش بس بنتفرج عليها إحنا بنتفاعل معاها وبنتكلم عنها مع بعض ولو مش متابع هتلاقي نفسك برا اي نقاش حتى في البريك بين المحاضرات بنقعد نبعت لبعض هذا النوع من الفيديوهات على السوشيال ميديا كأنها جزء اساسي من يومنا .

وقالت مريم أيضاً:- في أوقات كثيره احتاج إلى الابتعاد عن المشاكل والضغوطات اليوميه ف أجد نفسي ألجئ إلى هذا المحتوى ولكنني في نفس الوقت أشعر بأنني أضيع وقتي عندما أعود في نهاية يومي وأسأل نفسي أنا استفدت ايه انهارده؟

ووضحت شهد :- حاسه كل الناس اللي حواليا بتتكلم عن نفس الفيديوهات والتريندات ولو أنا مش متابعه يكون من الصعب عليا أن اتواصل مع أصدقائي ولكنها ليست وسيلة للترفيه إنما اصبحت جزءا من ثقافة التواصل بيننا .

لتحقيق استخدما متوازنًا، يجب أن نفكر جيدا فيما نشاهده ونبحث عن محتوى هادف، بالإضافة إلى تخصيص وقت للقاء الناس وعمل أشياء في الواقع لتقوية علاقاتنا.

والخطوة الأولى لاستعادة التوازن في حياتنا هي أن نتحكم في تركيزنا وانتباهنا وقدرتنا .