يحل هذا الشهر ذكرى رحيل الفنان القدير صلاح السعدني، الذي توفي في 19 أبريل من العام الماضي.

في ذاكرة الفن المصري، يظل اسم صلاح السعدني واحدًا من الأسماء التي حفرت حضورها في قلوب وأذهان المشاهدين.

وبرحيله فقدت الدراما المصرية أحد أعمدتها، لكن إرثه الفني يبقى شاهدًا على موهبته الفذة وقدرته على تجسيد الشخصيات بواقعية وعمق، جعلت الجمهور يتعامل معها وكأنها من واقع الحياة.

البدايات والطريق إلى النجومية

وُلد الفنان صلاح السعدني في 23 أكتوبر 1943 في كفر القرينين بمحافظة المنوفية، ودرس في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، حيث التقي هناك بزميله الفنان عادل إمام.

بدأت رحلته الفنية من خلال المسرح الجامعي، و شارك برفقة عادل إمام في عدة عروض مسرحية، قبل أن ينطلق إلى عالم الدراما والسينما.

ولكن جاءت انطلاقته الفعلية في ستينيات القرن الماضي، حيث بدأ مشواره التلفزيوني بمسلسل الرحيل عام 1960 وغاب عن التمثيل أربع سنوات ليركز على دراسته الجامعية، ثم عاد وقدم مسلسل الضحية عام 1964، وواصل بعد ذلك مسيرته الفنية التي امتدت لعقود.

أدوار خالدة في الدراما المصرية
صلاح السعدني في دور العمدة سليمان غانم بمسلسل ليالي الحلمية

شارك الفنان صلاح السعدني في العديد من الأعمال السينمائية والمسرحية، لكنه وجد في الدراما التلفزيونية المساحة الأوسع لإبراز موهبته، خاصة من خلال تجسيد الأدوار المركبة التي تتطلب عمقًا وتفاصيل دقيقة في الأداء.

على سبيل المثال، يُعد دوره الأيقوني “العمدة سليمان غانم” في مسلسل ليالي الحلمية من أبرز محطات مسيرته الفنية، حيث قدّم شخصية ابن الأصول القادم من الريف إلى القاهرة، ليخوض صراعات اجتماعية تعكس التحولات التاريخية في مصر.

هذا الدور رسخ مكانته كواحد من أعمدة الدراما المصرية، وخلده في ذاكرة المشاهدين ك “عمدة الدراما المصرية”.

صلاح السعدني في دور حسن ارابيسك غانم بمسلسل ارابيسك

لم تقتصر إبداعاته على ليالي الحلمية، بل تألق في أعمال أخرى منها أرابيسك، حيث جسّد شخصية حسن النعماني أو حسن “أرابيسك” كما اشتهر في المسلسل، النجار الأصيل الذي يصارع للحفاظ على هويته وسط التغيرات المجتمعية.

كما قدّم دورًا مميزًا في حلم الجنوبي، مُجسّدًا شخصية المثقف المصري الذي يناضل من أجل قضايا الفقراء والمهمشين، حيث يحكي المسلسل قصة اكتشاف مدرس تاريخ مصري لمكان مقبرة الإسكندر الأكبر بمدينة الإسكندرية في مصر، ويظهر المسلسل مدى حب المصري لتاريخ بلده وحرصه على آثارها.

أما في مسلسل رجل في زمن العولمة، فقد سلط الضوء على قضايا الأسرة المصرية في ظل التحولات العصرية، مؤكدًا قدرته على ملامسة واقع المجتمع بمصداقية وعمق.

السينما والمسرح أيضاً
صلاح السعدني في فيلم الأرض

رغم تألقه في الدراما لم يغفل صلاح السعدني السينما والمسرح، حيث شارك في عدة أفلام بارزة مثل: فيلم “الأرض” عام 1970، الذي حصل على المركز الثاني في قائمة أفضل 100 فيلم مصري نتيجة استفتاء شارك فيه العديد من النقاد المصريين عام 1996، وفيلم “الغول” عام 1983، الذي التقى فيه مع زميل دراسته الفنان عادل إمام وقدم دور وكيل النيابة في الفيلم.

وكان دوره محوريا في الفيلم، وقدم أداء مميز في الفيلم.

وشارك أيضاً في بطولة الفيلم الدرامي الكوميدي “فتوة الناس الغلابة” عام 1984 إلى جانب النجم فريد شوقي والفنان سمير صبري.

كما شارك في الفيلم الأيقوني “الرصاصة لا تزال في جيبي” عام 1974 الذي يجسّد أحداث حرب أكتوبر المجيدة.

يُعد هذا الفيلم من العلامات البارزة في السينما المصرية، حيث يُعرض سنويًا في ذكرى نصر أكتوبر، وشارك صلاح السعدني في بطولته إلى جانب نخبة من النجوم، منهم محمود ياسين، سعيد صالح، يوسف شعبان، وحسين فهمي.

كما كان له حضور قوي في المسرح من خلال أعمال مثل الناس اللي تحت، وثورة الموتى.

الإعتزال والغياب عن الأضواء
صلاح السعدني في مسلسل القاصرات

قرر صلاح السعدني الإبتعاد عن التمثيل، مكتفيًا بما قدمه من أعمال فنية مميزة إلى جانب ظروفه الصحية التي منعت استمراره، وذلك بعد آخر مشاركة له في الدراما بمسلسل “القاصرات” عام 2013.

ورغم ابتعاده عن الساحة الفنية، ظل اسمه حاضرًا في أذهان جمهوره ومحبيه الذين لا يزالون يشاهدون أعماله كأنها تعرض للمره الأولى.

صلاح السعدني في عيون زملائه وجمهوره

“مُجسد الواقع ببساطة وعمق”
هكذا علق جمهور صلاح السعدني علي أدائه في أعماله الفنية.

إذ يرى جمهوره أنه استطاع أن ينقل أدق تفاصيل الشخصيات التي جسدها، مانحًا إياها أبعادًا إنسانية حقيقية بأسلوب بسيط وعميق، وهو ما جعله قريبًا من قلوب المشاهدين.

إرث خالد في ذاكرة الفن
صلاح السعدني

رحل الفنان الكبير صلاح السعدني لكن إرثه الفني سيبقى خالدًا في ذاكرة الجمهور، حيث كان نجمًا من جيل العمالقة تميز بأدواره التي جمعت بين البساطة والعمق.

من شخصية “العمدة سليمان غانم” في ليالي الحلمية إلى العديد من الأدوار التي أداها ببراعة، أصبح السعدني رمزًا للعمدة ليس فقط في ليالي الحلمية، بل في الدراما المصرية بأكملها.

ويظل صلاح السعدني رمزًا للفن الأصيل.