
رحلة دراماتيكية استغرقت أكثر من ٨٠ عام أثرت علي انعكاس التحولات الكبري في البنية الاقتصادية و السياسية للبلاد من أقوي نقطة كعملة اقتصادية إلى دائرة التدحرج بين التعويم و الأزمات، يروي الجنيه المصري قصة صعوده و هبوطه التي تعتبر جزء يتجزأ من تاريخ مصر الحديث.
الزمن الجميل لقوة الجنيه المصري ( ١٩٣٩ : ١٩٥٢ )
كانت البداية في عهد الملك فاروق حيث كان الدولار يتراوح بين ٢٠ : ٣٦ قرشا فقط لا غير، أى أن الجنيه المصري كان يوازي من ٣ : ٥ دولار و ارتبطت تلك الفتره بقوة الاقتصاد التي كانت لها علاقه قوية بالامبراطورية الإنجليزية، و نظام الذهب و تدفق العوائد الزراعية الضخمة خاصة من محصول القطن.
الرئيس عبد الناصر و التأميم و وزن الدولة الاقتصادي ( ١٩٥٢ : ١٩٧٢ )
كثفت الدولة جهودها في دعم الجنيه أمام الدولار و لكن أثرت ثورة ١٩٥٢ بشكل ملحوظ في سعر الجنيه تباعا لدخول الاقتصاد المصري في مرحلة التأميم و التخطيط المركزي، حيث وصل سعر الدولار الي حوالي ٥٠ قرشا بنهاية الفترة الرئاسية لجمال عبد الناصر.
الانفتاح الاقتصادي و الإنتاج المحلي (١٩٧٠ : ١٩٨١)
كان الرئيس السادات لديه خطط اقتصادية هدفها التغييرات الجذرية و كان الانفتاح الاقتصادي و تحرير التجارة عاملا مهما في زيادة الطلب علي الدولار و في الوقت ذاته لم يكن الإنتاج المحلي قادرا علي المنافسة حيث وصل سعر الدولار إلى ٨٠ قرشا.
ما بين الألفية الجديدة و القديمة..التعويم الجزئي و تراكم الدين (١٩٨١ : ٢٠١١)
شهدت هذه الفترة تغييرات سياسية بعد اغتيال الرئيس السادات و تولي الحكم الرئيس محمد حسني مبارك و تبعها تغييرات اقتصادية، حيث اتبع الرئيس مبارك سياسات اقتصادية جديدة أهمها الخصخصة و الاقتراض الخارجي حيث وجد الدولار فرصته الذهبية في الصعود حينها قفز إلى ٣.٣ جنيها في عام ١٩٨٩ و بعد تعويم جزئي في عام ٢٠٠٣ قفز مره أخرى إلى ٦.٢٥ جنيها.
علي الرغم من جهود الدولة في الحفاظ علي الاستقرار الرسمي للجنيه إلا أن السوق السوداء كانت دائما ما تعبر بصدق عن الوضع الاقتصادي الراهن في الدولة.
الفوضي الكليه و الجزئية في الدولة..ما بعد الثورة و عدم اليقين (٢٠١١ : ٢٠١٦)
تدهور الوضع العام للدولة و غاب الاستقرار السياسي بعد ثورة يناير و هذا ما أدى إلى انهيار الثقة الاقتصادية في الجنيه تدريجيا، حيث بدأ الدولار بقفزة جديدة ليرتفع سعره ال ٨.٨٨ جنيها مع دخول الدولة في مهاترات اقتصادية نحو قرار التعويم.
حيث وجد الدولار فرصته في القفز مرة أخرى إلى ١٢ جنيها و لكن كانت هذه القفزة في السوق الموازي قبل قرار التعويم مباشرة، و ظل الدولار يخطو خطواته في عام ٢٠١٦ إلى أن وصل إلى ١٧ جنيها في السوق السوداء نابعا من استغلال تُجار العملة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة و قِلة الميزانية الدولارية في البنك المركزي المصري.
التعويم الكامل و نقطة التحول و لعبة التُجار
في نهاية عام ٢٠١٦ و بالتحديد يوم ٣ نوفمبر، صدر قرار من البنك المركزي المصري بتحرير سعر صرف الجنيه بشكل كُلي و ذلك كان جزءا من اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، حيث صعد الدولار بشكل رسمي إلى ما يزيد عن ١٧ جنيها.
و أزيدكم من الشعر بيتا في القصة المخيفة للتدهور الاقتصادي هو أن الجنيه المصري فقد ٥٠٪ من قيمته خلال أيام في هذه الفترة.
سنوات عِجاف على الجنيه..صعود الدولار و انهيار الجنيه (٢٠١٧ : ٢٠٢٢)
شهدت الفتره من ٢٠١٧ الي ٢٠٢١ استقرار نسبي في سعر الجنيه حيث شهد تراجع للدولار إلى ١٥.٧ جنيها و لكن يظل الجنيه يعاني من الضعف و الهشاشة الاقتصادية.
إلى أن بدأت تداعيات الحرب الاوكرانية الروسية حيث وجد الدولار فرصته في الصعود إلى أن وصل ٢٤.٧ جنيها في عام ٢٠٢٢، و لكن يعود تُجار العملة إلى المشهد الاقتصادي لوضع خطة اللعب التي جعلت الدولار يلامس ٤٠ جنيها في السوق الموازية في عام ٢٠٢٣.
عام سقوط الجنيه (٢٠٢٤)
تتابع حلقات الديون و الاقتراض و التي نتج عنها تراجع الاستثمارات الأجنبية، و اختفاء العملة الصعبة من الدولة إلى أن يعلن المركزي المصري رسميا وصول الدولار الي ٥٠.٦٤ جنيها، مع استمرار لعبة الاستغلال من التجار حيث يلامس الدولار الـ ٦٠ جنيها في السوق السوداء خلال فترات من العام.
يقف الجنيه أمام مرآه تحمل علي عاتقها أثقال السياسة و الاقتصاد من عظيم القوة الاقتصادية و السلطان الأوحد لها إلى الضعف و الهشاشة الحديثة، ليظهر للشعب أن نسبة التضخم التي حدثت في الاقتصاد المصري ٢٠١٥٦٪ و هذا الرقم لا يعكس فقط تضخم الأرقام و الأسعار، و لكنه يعكس أيضا ضعف هيكل الدولة السياسي و الاقتصادي و السياسات الاقتصادية المتغيرة و تأثير الازمات المحلية و الدولية.
و لكن يظل السؤال مطروحا علي طاولة الإصلاح الاقتصادي، هل يجد الجنيه المصري طريقة للعودة إلى قوته ؟ أم أن حقبة العملة الصعبة باتت غائبة عن الأنظار ؟