أثناء جولة ترامب الخليجية، طرح صحفي سؤالا على ترامب قائلا: “هل تشعر بخيبة أمل من مستوى الوفد الذي أرسله الروس إلى تركيا؟”، فرد ترامب: “لا أعرف أي شيء عن الوفد. أنا لست محبطا من أي شيء! لماذا أشعر بخيبة أمل؟ لقد حصلنا للتو على 4 تريليون دولار!” في إشارة لمحصلة الصفقات التجارية والاقتصادية والدفاعية التي أبرمها ترامب خلال جولته.

هذا الرد يطرح تساؤلات عدة عن نظرة ترامب لدول الخليج، فبينما استقبله ملوك وأمراء الخليج بحفاوة بالغة وترحيب شديد، ولما لا وهو رئيس الدولة المسيطرة على العالم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، والقوة العظمى في العالم، يأتي ترامب إليهم وكل اهتمامه وتركيزه مُنصب على ما سيحققه من أرباح واستثمارات للولايات المتحدة.

وبالرجوع والنظر إلى شخصيته، فهو رجل اقتصادي من الدرجة الأولى، سياسته اقتصادية بحتة، ينظر إلى المال والاستثمار والاقتصاد على أنها أساس العلاقات الدولية، ويتضح ذلك في معظم زياراته الخارجية، التي ينظر إليها كما لو كانت صفقة تجارية كبيرة يجب أن يعقدها ويربح من ورائها، والحقيقة أن دول الخليج منبع “الذهب الأسود” والمال، فرصة مغرية لأي عقلية اقتصادية، لاسيما ترامب!

فهل ينظر ترامب للعالم على أنه مجرد صفقة تجارية؟ هل يرى أن الكرة الأرضية عبارة عن سوق واسع؟

حفاوة ووعود ومبالغة

كانت زيارة الرئيس الأمريكي إلى الدول الخليجية الثلاث، السعودية وقطر والإمارات، فرصة لإطلاق وعود استثمارية غير مسبوقة، زيارة وصفتها الصحف السويسرية بأنها “مليئة بالصفقات ذات الأرقام الضخمة”.

وأظهرت تغليب المصالح الاقتصادية على الأولويات والاعتبارات السياسية، في وقت يضج فيه الشرق الأوسط والعالم العربي بمشكلات متأججة على رأسها قضية فلسطين، وتطورات الوضع في لبنان وسوريا، متجاهلة حتى التوترات مع إيران، وجرت خطة وبروتوكول الزيارة وكأن لا شيء يحدث في المنطقة.

وعن الوعود الاستثمارية، كان أبرز ما صدر من السعودية، هو تأكيد ولي العهد محمد بن سلمان للرئيس الأمريكي أن بلاده مستعدة لاستثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال ولايته، وهو ما أعلنه ترامب بفخر في منتدى الاستثمار في الرياض، بالإضافة إلى صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار.

وعلى صعيد الطاقة وافقت المملكة العربية السعودية على إبقاء أسعار النفط عند مستوى 60-65 دولارا للبرميل.

ولم تختلف قطر كثيرا في الحفاوة والوعود عن المملكة العربية السعودية، حيث أسرع الأمير تميم بن حمد بالإعلان عن إهداء ترامب طائرة رئاسية فاخرة من طراز بوينغ 747-8، تقدر قيمتها بـ 400 مليون دولار، وفق ما ذكره موقع “واتسون”.

كما أعلنت الإمارات أنها ستثتثمر 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك أثناء استقبال الشيخ محمد بن زايد لترامب في أبو ظبي .

وغيرها وغيرها من الصفقات التي أبرمت بمئات المليارات من الدولارات في الدفاع والطيران والذكاء الاصطناعي، وكانت جزءا من استراتيجية أوسع لتعزيز القوة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

توازن القوى

لا شك أن ترامب يحاول إعادة مشهد وصورة الولايات المتحدة كشريك وحليف لمنطقة الشرق الأوسط، في ظل صعود ونمو قوة الصين وعلاقاتها الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط.

فبدلا من إقامة تحالفات أمنية وسياسية تقليدية، يحاول ترامب إقامة علاقات تنموية واستثمارية عميقة مع منطقة الخليج، وخاصة بعدما أصبحت الصين الحليف التجاري الأول للخليج.

كما يحاول ترامب أن يحد من اعتماد الخليج على الصين من خلال توفير بدائل تكنولوجية أخرى، وذلك بعقد صفقات في مجال الذكاء الاصطناعي، تشمل استثمارات بقيمة 20 مليار دولار من شركة DataVolt السعودية لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، و80 مليار دولار في التقنيات في كلا البلدين من Google وDataVolt وOracle وSalesforce.

وأعلنت شركة هومين أيضا عن صفقات مع Global AI وCisco وAmazon، والتي ستبني “منطقة الذكاء الاصطناعي” في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك البنية التحتية الجديدة للذكاء الاصطناعي والخوادم والشبكات لتسهيل التدريب على الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر كفاءة.

تلك السياسات الاقتصادية والاستثمارية التي يتّبعها ترامب في علاقاته الدولية، إنما هي في الأساس تخدم أجندة سياسة “أمريكا أولاً”، والتي تركز على وضع المصالح الأمريكية في المقام الأول، والتركيز على الصفقات التجارية الثنائية، وإعادة هيكلة التحالفات التقليدية.

في النهاية، يبقى السؤال معلقا: هل العالم بالنسبة لترامب مجرد سوق كبير؟ وهل يمكن لسياسة “أمريكا أولاً” أن تبني علاقات دولية مستدامة؟ الزمن وحده سيجيب، ولكن الأكيد أن هذه الزيارة تركت بصمة اقتصادية عميقة، وتساؤلات سياسية أعمق.”