
من المثير للدهشة أن مصر التي تعد واحدة من القوى الكبرى العالمية في عالم الإسكواش، تشهد تراجعاً ملحوظاً وعنيفاً في مستوى كرة القدم في السنوات الأخيرة، لذلك وجب علينا إيجاد إجابة للسؤال التالي: ما هي الأسباب التي جعلت مصر في هذه المكانة العالمية المتفوقة والمتميزة في الإسكواش؟ وما هي العوامل التي أدت إلى تدهور مكانتها الدولية في كرة القدم؟
أولاً: التأسيس والبنية التحتية الرياضية
تعتبر مصر واحدة من القوى الكبرى في عالم الإسكواش، وهو ما يفسر تصدرها لعدد كبير من البطولات الدولية.
النجاح في هذا المجال يعود إلى استثمار الدولة في البنية التحتية لهذه الرياضة بشكل مبكر، حيث تم تأسيس العديد من الأندية الرياضية المتخصصة، فضلاً عن الأكاديميات الخاصة لتدريب اللاعبين.
من أهم هذه الأكاديميات “أكاديمية الأسكواش المصرية” التي تعتبر من أفضل الأكاديميات العالمية.
إلى جانب ذلك، يتميز اللاعبون المصريون بتوفير برامج تدريب متقدمة تعتمد على تقنيات متطورة، ورغم قلة المرافق مقارنة ببعض الدول الكبرى، إلا أن اللاعبين المصريين يحظون بفرص التدريب المستمرة والمنافسات المحلية القوية.
في المقابل، يعاني قطاع كرة القدم في مصر من مشاكل كبيرة على مستوى البنية التحتية.
على الرغم من وجود أندية ضخمة مثل الأهلي والزمالك، إلا أن الملاعب والمرافق التدريبية في مصر لا تواكب التطور العالمي.
كما أن برامج تطوير اللاعبين في المدارس والأكاديميات المحلية تفتقر إلى الكفاءة، مقارنة بمرافق التدريب الحديثة التي توفرها العديد من الدول الكبرى.
هذا النقص في البنية التحتية قد أثر على تطور اللاعبين المحليين وأدى إلى ضعف في أداء المنتخب المصري في البطولات الدولية.
ثانيًا: الاستثمار والتمويل
واحدة من أبرز الأسباب التي ساعدت في تعزيز مكانة مصر في عالم الإسكواش هو الاستثمار القوي من قبل الأفراد والشركات.
على الرغم من أن الرياضة لا تحظى بشعبية كبيرة مقارنة بكرة القدم، إلا أن العديد من رجال الأعمال والمستثمرين المصريين يقدمون الدعم المادي والتجاري للاعبين.
كما أن هناك جوائز مالية ضخمة في البطولات الدولية تساهم في تحفيز اللاعبين على بذل أقصى جهودهم لتحقيق النجاح.
عكس الإسكواش، يعاني قطاع كرة القدم في مصر من ضعف في التمويل، حيث تذهب غالبية الاستثمارات إلى الأندية الكبرى مثل الأهلي والزمالك، لكن دون أن يُترجم ذلك إلى تطوير حقيقي للمنتخب الوطني أو للرياضة بشكل عام.
كما أن الشراكات التجارية مع الشركات الكبرى في كرة القدم المصرية ليست على نفس مستوى الاحتراف الذي تتمتع به بعض الأندية في أوروبا.
وهذا يعني أن تمويل المنتخب الوطني يعاني من تقلبات وعدم استقرار، مما ينعكس في المستوى الفني للفريق.
ثالثًا: الإدارة والقيادة الرياضية
يعتبر الاتحاد المصري للاسكواش من أنجح الهيئات الرياضية في مصر، حيث يتمتع بقدرة تنظيمية عالية واستراتيجية واضحة لتطوير اللاعبين.
هذا النجاح الإداري كان أحد العوامل الرئيسية في بروز جيل من اللاعبين المصريين الموهوبين الذين سيطروا على معظم البطولات العالمية.
يتمتع المسؤولون عن هذه الرياضة بخبرة واسعة في تطوير اللاعبين وتقديم الدعم اللازم لهم من أجل المنافسة عالميًا.
على النقيض من ذلك، تواجه كرة القدم المصرية تحديات كبيرة على مستوى الإدارة.
على مر السنوات، عانت إدارة الإتحاد المصري لكرة القدم من تغييرات متكررة في الجهاز الفني، مما أدى إلى عدم استقرار المنتخب.
تكرار تعيين المدربين وتغير استراتيجيات المنتخب كان له تأثير سلبي على استمرارية النجاح.
في كثير من الأحيان، جاءت القرارات بناءًا على الضغوط الإعلامية والجماهيرية أكثر من الاستراتيجيات المدروسة طويل الأجل، مما أدى إلى تراجع الأداء بشكل مستمر.
رابعًا: المنافسة الدولية
تتمتع مصر بميزة كبيرة في لعبة الإسكواش من حيث المنافسة المحلية والعالمية؛ حيث إن بطولات الإسكواش المصرية تعتبر من أقدم البطولات في العالم، مما يتيح للاعبين المصريين فرصًا مستمرة للتدريب والمنافسة على أعلى المستويات.
كما أن اللاعبين المصريين يتمتعون بقاعدة جماهيرية كبيرة، مما يحفزهم لتحقيق إنجازات عالمية.
من أبرز الأسماء التي ساهمت في رفع سمعة مصر في الإسكواش: رامي عاشور، ومحمد الشوربجي، وعمرو شبانة، ونور الشربيني وغيرهم.
أما في كرة القدم، على الرغم من أن مصر تمثل إحدى القوى التاريخية في القارة الإفريقية، إلا أن أداء المنتخب الوطني يعاني من تراجع واضح في مواجهة الفرق العالمية.
منافسات مثل كأس العالم وكأس الأمم الأفريقية غالبًا ما تكون محكومًا عليها بالصعوبات بسبب ضعف الاستعدادات أو التغييرات المستمرة في التشكيلة أو الخطة التكتيكية.
المنافسة على مستوى أفريقيا قد تكون أقل تحديًا مقارنة بالإسكواش، ولكن في البطولات العالمية، يفتقر المنتخب المصري إلى التنسيق والانسجام الذي يقدمه المنتخبات الأخرى.
خامسًا: الإعداد البدني والنفسي
إن إعداد اللاعبين في الإسكواش ليس فقط بدنيًا، بل أيضًا عقليًا.
التنافس الشديد على أعلى مستويات اللعبة يتطلب تركيزًا قويًا وتحملًا نفسيًا هائلًا، وهو ما نجح المدربون المصريون في تطويره لدى لاعبيهم.
بناء الشخصية القوية والقدرة على التكيف مع الضغوط هي عوامل ساعدت مصر على السيطرة على اللعبة.
أما في كرة القدم، لا يقتصر الأمر على تدريب اللاعبين على المهارات الفنية، بل أيضًا على التحضير النفسي.
بالرغم من أن هناك اهتمامًا متزايدًا بالجانب النفسي لدى بعض المدربين في مصر، إلا أن الإعداد العقلي والبدني للمنافسات الكبرى غالبًا ما يكون غير كافٍ مقارنة بالمنتخبات الكبرى التي تتمتع بخطط تدريب متطورة تشمل جميع الجوانب.
إن تميز مصر في الإسكواش وتراجعها في كرة القدم يعكس الفجوة الكبيرة في العديد من الجوانب المرتبطة بالبنية التحتية، والتمويل، والإدارة، والإعداد النفسي.
لا شك أن نجاح الإسكواش يعود إلى الاهتمام المبكر بتنمية اللاعبين واستثمار الموارد بذكاء، في حين أن ضعف استثمار وغياب استراتيجيات طويلة المدى في كرة القدم أديا إلى تدهور مكانة المنتخب.
إذا أرادت مصر استعادة مكانتها العالمية في كرة القدم، فإن ذلك يتطلب تغييرات جوهرية على مستوى الإدارة، وتطوير بنية تحتية حديثة، وزيادة الاستثمار في الأكاديميات الرياضية.
جميل
الله ينور
👏👏