
مع اقتراب موعد انطلاق ماراثون الانتخابات البرلمانية المقرر في عام 2025، تتسارع وتيرة التحركات الحزبية على الساحة السياسية المصرية.
بدأت الأحزاب بالفعل في تجهيز برامجها الانتخابية وتكثيف تواجدها الميداني، في محاولة لكسب ثقة الناخبين وحجز مقاعد مؤثرة تحت قبة البرلمان، ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو مدى مشاركة الناخب في هذه الانتخابات، وأبرز القضايا التي ستؤثر على قراره في النزول إلى صناديق الاقتراع.
للإجابة على هذه التساؤلات المحورية، أجرينا حوارا خاصًا مع الدكتورة نجلاء راتب، أستاذة علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة بنها، والتي قدمت رؤية متعمقة حول العوامل المؤثرة على إقبال الناخبين وتوجهاتهم.
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحرك الأساسي للمشاركة أم العزوف؟
بدأنا حوارنا مع الدكتورة نجلاء بسؤال حول تأثير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة في مصر، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الأوضاع على توجهات الناخبين وخياراتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
أكدت الدكتورة نجلاء راتب قبل أن نتحدث عن كيفية تأثير الأوضاع الاقتصادية على توجهات الناخبين وخياراتهم، دعيني أطرح سؤالاً بديهيًا وأكثر أهميةوهو كيف تؤثر هذه الأوضاع على إقبال الناخبين على الانتخابات ومشاركتهم فيها من الأساس؟ بعبارة أخرى، هل المواطن المصري، في ظل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، لديه الاستعداد للذهاب إلى صناديق الاقتراع لو قيل له أن هناك انتخابات لمجلس الشعب الأسبوع المقبل؟
ترى الدكتورة راتب أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية تؤثر بشكل كبير جدًا على ظاهرة المشاركة السياسية، ومن ضمن صور هذه المشاركة الذهاب إلى الانتخابات.
وأوضحت أن الظروف الاقتصادية التي يعيشها المواطن المصري – أتحدث هنا عن الغالبية العظمى – هي ظروف طاحنة، الناس باتت تعمل وظيفتين أو ثلاث وظائف في اليوم الواحد لتلبية احتياجاتها الأساسية فقط من الأكل، الشرب، العلاج، فواتير المياه والكهرباء والغاز، تعليم الأولاد.
وتساءلت د. نجلاء هل المواطن المطحون في هذا الظرف الاقتصادي لديه الاستعداد للذهاب للانتخابات؟وعلى الرغم من إقرارها بأن البعض قد يستشهد بما حدث بعد 25 يناير، حيث شهدنا إقبالًا جماهيريًا منقطع النظير في انتخابات مجلس الشعب، وأن الظرف الاقتصادي الطاحن قد يدفع المواطن للذهاب إلى الانتخابات رغبة في التغيير، إلا أنها شددت على أن هذا سيحدث إذا كان المواطن متأكدًا بنسبة 70 أو 80% أن مشاركته وإدلائه بصوته سيغير من واقعه الاقتصادي الذي يعيشه، في هذه الحالة، وحتى مع كل هذا العناء سيذهب.
ولكن ردي على ذلك هو نعم سيحدث هذا إذا كان المواطن متأكدا بنسبة 70 أو 80% أن مشاركته وإدلائه بصوته سيغير من واقعه الاقتصادي الذي يعيشه، في هذه الحالة وحتى مع كل هذا العناء سيذهب.
لكن المشكلة الحالية، وفقًا للدكتورة نجلاء، هي أن المواطن المصري بات متأكدا أن مشاركته من عدمها، ونجاح المرشحين أو عدمه، لن يقدم أو يؤخر في ظروفه المعيشية. ولذلك، يحجم عن المشاركة في الانتخابات. وينطبق الأمر نفسه على الظروف الاجتماعية.
ولهذا تختتم الدكتورة راتب رأيها في هذا الشق بالقول لا نستطيع القول إن الناخبين لديهم توجهات من الأساس، لأنهم في الأساس غير مسيسين ويفتقرون للوعي السياسي .
و لماذا يفتقرون للوعي السياسي؟
لأنهم غائبون عن الساحة ، فعلى سبيل المثال، البرلمانات السابقة لم تغير شيئًا في حياتهم، وبالتالي لم يهتموا بتنمية ثقافتهم السياسية، ولم يحاولوا معرفة من هم أعضاء البرلمان أو الأحزاب التي ينتمون إليها أو الأشخاص الذين يمكنهم دعمهم ،لقد أصبح المواطن المصري غير مهتم بالحياة السياسية.
لذا لا يمكننا القول إن الظروف الاقتصادية ستؤثر على توجهات الناخبين بمعنى اختيار حزب معين أو شخص معين، بل يجب أن نصحح السؤال ليصبح كيف تؤثر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة على مشاركة الناخب أو المواطن المصري في الانتخابات؟ هل سيشارك من الأساس أم لا؟ وأنا أرى أنه لن يشارك، أو أن نسبة المشاركة ستكون منخفضة للغاية.
قضايا تلامس حياة المواطن .
تطرقنا في سؤال تالٍ إلى أبرز القضايا والموضوعات التي تشغل الرأي العام المصري حاليًا، ومدى توقع الدكتورة نجلاء راتب بأن يكون لها تأثير كبير على قرارات الناخبين في صناديق الاقتراع.
أوضحت الدكتورة نجلاء أن هناك عدة قضايا رئيسية قد تؤثر وتشغل الرأي العام بشكل مباشر: غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، هذه القضية تأتي في مقدمة الاهتمامات وتؤثر بشكل مباشر على حياة كل مواطن.
التعليم فكل بيت مصري تقريبًا به فرد يتعلم في مرحلة ما (ابتدائي، إعدادي، ثانوي، جامعي)، وكل بيت يعاني من مشاكل التعليم التي لا تنتهي أيضًا.
مستوى الانضباط والأمن،حيث تشمل هذه القضية الحفاظ على القواعد والنظام، وانتشار الجريمة في الشارع المصري، مما يؤثر على شعور المواطن بالأمان.
قضية الصحة وتوفر العلاج من عدمه وأسعار الدواء، وتوفير النقص من الأدوية وخاصة الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض المزمنة. فلا بد من توفير مظلة تأمين صحي شاملة، وعلاج يقدم بصورة جيدة في مستشفيات مجهزة ومعدة بشكل جيد.
وعي الناخب هل يتغير مع غياب التحسن؟
في ختام حوارنا، سألنا الدكتورة نجلاء عن توقعاتها بشأن وعي الناخب المصري، وهل يمكن أن يحدث فيه تغيير ملموس.أجابت الدكتورة نجلاء بأن وعي الناخب المصري سيستمر كما هو، وسيظل كذلك إن لم يحدث تغيير في القضايا التي ذكرتها سابقًا.
وأكدت أن الوعي بشكل عام يزداد عند الشعور أن الأمور تتحسن للأفضل وأن الخدمات تقدم للمواطن بشكل جيد وتراعي احتياجاته.يتضح من رؤية الدكتورة نجلاء راتب أن مشاركة الناخب المصري في الانتخابات البرلمانية 2025 ستكون مرهونة بشكل كبير بمدى إحساسه بالتأثير الفعلي لصالحه، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة التي تلامس حياته اليومية،فهل ستنجح الأحزاب في برامجها الانتخابية في تقديم حلول واقعية لهذه القضايا، وتعيد للناخب الثقة في جدوى صوته؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
توليفة وبس