شهدت قرية محلة مرحوم التابعة لمركز طنطا، قسوة مجتمعية راحت ضحيتها روح بريئة.

كلب من سلالة “هاسكي”، ربما ضل طريقه أو تخلى عنه صاحبه ليواجه مصيرًا مأساويًا في شوارع القرية.

علامات الارتباك والخوف التي ارتسمت على محياه، كرد فعل طبيعي لشعوره بالتهديد، أدت إلى نباحه على طفل صغير.

قد أشعل هذا التصرف غضب الأهالي، الذين سارعوا إلى إصدار حكم بالإعدام عليه بتهمة “السعار”، دون أدنى فحص طبي أو دليل علمي يدعم إدعاءهم.

تحولت اللحظات التالية إلى مشهد دموي، بدلًا من محاولة احتواء الكلب أو عزله، انهال عليه الأهالي ضربًا بالعصي والطوب في وحشية تقشعر لها الأبدان، وسط قهقهات البعض وتوثيقهم للواقعة بهواتفهم.

وبعد ربطه في عمود، حضر طبيب بيطري، كان من المفترض أن يمثل صوت العقل والرحمة، لكنه خذل الأمانة، فبدلًا من فحص الحيوان أو رعايته، حقنه بمادة قاتلة تنهي حياته ببطء وألم شديدين، دون أدنى قدر من الشفقة أو التأكد من حقيقة مرضه.

كما أثبتت الدراسات العلمية المنشورة في دوريات علم النفس الجنائي أن نسبة كبيرة من مرتكبي الجرائم العنيفة ضد البشر كانت بدايتهم في إيذاء الحيوانات.

هذا العنف يعكس خللا في النظرة المجتمعية للضعف، حيث يُنظر إليه كفرصة للتسلط لا كمسؤولية تستدعي الرعاية والحماية.

و ترى الدكتورة نادية الحسيني، طبيبة بيطرية وناشطة في مجال حقوق الحيوان، أن “ما حدث يمثل انتهاكًا صارخًا لأخلاقيات المهنة البيطرية.

كان يجب على الطبيب أولاً عزل الكلب وفحصه للتأكد من إصابته بداء الكلب (السرع ) قبل اتخاذ قرار بإنهاء حياته بهذه الطريقة الوحشية.

التقصير عن ذلك يعكس استهانة بحياة الحيوان وعدم مسؤولية مهنية تستوجب المساءلة.”
أين يختفي دور الطب البيطري ونقابته أمام هذا التصرف المشين؟ وأين تقع مسؤولية المحليات والشرطة البيئية في ردع مثل هذه الانتهاكات؟ والأهم، أين الوعي المجتمعي الذي يجب أن يميز بين خوف حيوان ضال وكلب مسعور يستدعي التدخل الطبي؟

ما جرى في طنطا ليس مجرد حادث عابر، بل هو إنذار صارخ لمجتمع بات في أمس الحاجة إلى إعادة تقييم قيمه ومفاهيمه حول الرحمة، والخوف، والعدالة.

فالمجتمع الذي لا يرحم أضعف مخلوقاته، كيف له أن يضمن الرحمة بين أفراده؟ إن صمتنا اليوم هو ضوء أخضر لمزيد من القسوة والعنف، الذي قد لا يتوقف عند حدود عالم الحيوان.