في ظل الحرب المستمرة على غزة، لم تقتصر المعركة على ميادين القتال فقط، بل امتدت إلى الفضاء العام والإعلامي، حيث تباينت المواقف والتصريحات بين أبناء الأمة الواحدة، في هذا السياق، برزت أصوات نسائية فعالة، منها المهندسة المغربية ابتهال أبو السعد والناشطة المصرية داليا زيادة، اللتين أثارتا الجدل بمواقف متناقضة تعكس رؤى وتحليلات مختلفة للأحداث وتداعياتها.

لمحة سريعة عن الحرب في غزة

منذ السابع من أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة حربًا عنيفةً بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، ذاق فيها الشعب الفلسطيني كافة أشكال العذاب، حيث أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية للقطاع.

وفي 18 مارس 2025، انتهك الجيش الإسرائيلي وقف إطلاق النار الذي دام لمدة شهرين، بشن غارات جوية وبرية واسعة النطاق، مما أدى إلى قتل وتشريد أكثر من 100 ألف فلسطيني من رفح خلال اليومين الماضيين فقط، معظمهم نزحوا عدة مرات، ولم يتبقَّ لديهم سوى القليل من ممتلكاتهم، كما أعلنت اسرائيل عن توسيع عملياتها العسكرية، بهدف القضاء على البنية التحتية لحماس.

ابتهال أبو السعد: مبدأ أقوى من الوظيفة

ابتهال أبو السعد، مهندسة برمجيات مغربية كانت تعمل في شركة مايكروسوفت، تصدّرت عناوين الأخبار في الأيام الماضية بعد أن قاطعت كلمة المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي أثناء احتفال ميكروسوفت بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها، احتجاجًا على دعم الشركة للجيش الإسرائيلي من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي.

حيث قالت “أنت من تجار الحرب تزعم أنك تستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، لكن مايكروسوفت تبيع أسلحة ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي، 50 ألف إنسان قتلوا، ومايكروسوفت تساهم في الإبادة الجماعية في منطقتنا، كيف تجرؤون على الاحتفال عار عليكم،” وغادرت الاحتفال وهي تلوّح بهذه الكلمات للحاضرين.

لقى هذا الموقف إشادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصفه البعض بأنه موقف بطولي وأخلاقي، واعتبره آخرون صوت الحق في وادي السيليكون، لم تكتفِ ابتهال بالتعبير عن رأيها عبر هاشتاج أو تغريدة عابرة، بل وضعت مستقبلها المهني على المحك.

مؤكدةً أن القيم الإنسانية تتفوق على أي منصب، كما انطلقت العديد من الحملات التي تنادي بمقاطعة تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة من قبل إسرائيل.

داليا زيادة : تطبيع ناعم تحت شعار الاستقرار

على الجانب الآخر، أثارت الناشطة المصرية داليا زيادة عاصفة من الجدل بعد تصريحاتها عبر وسائل إعلام إسرائيلية، حيث دعمت فيها ما أسمته “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، معتبرة إسرائيل مجرد ضحية تدافع عن نفسها ضد هجمات حركة حماس الإرهابية.

وكما نشرت العديد من التغريدات عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي تحتوى على صور مصممة بالذكاء الاصطناعي لنساء عربيات مجتمعين مع بعضهم ومعهم إسرائيل وألحقت الصور بتعليق “هكذا أتخيل أن الشرق الأوسط سيكون يوماً ما، تجلس نساء الشرق الأوسط معًا للتحدث قليلاً والضحك والدردشة”.

ولم تكن هذه هى المرة الأولى التي تدعم فيها زيادة إسرائيل حيث نشرت عام 2023 تغريدة تؤيد فيها القوات الإسرائيلية في حربها على حماس حيث قالت إسرائيل تحارب الإرهاب نيابة عن الشرق الأوسط بأكمله، معتبرة ما تفعله إسرائيل هو ما ستفعله أي دولة ديمقراطية تتعرض لهجوم.

وأثارت تغريدات زيادة غضب واسع من قبل الشعب المصري حيث تقدّم الباحث المصري في مجال حقوق الإنسان هاني محمد بشكوى إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي للتحقيق بالتصريحات التي نسبت إليها، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقها، كما طالب ناشطون مصريون بإسقاط الجنسية المصرية عنها.

وعلقت زيادة على طلب المصريين بإسقاط جنستيها المصرية قائلةً ” إذا تم سحب الجنسية المصرية فهو خسارة لكم مش لي”.

في نهاية المطاف، يظل التباين الصارخ في موقف كل منهما انعكاسًا للتحديات الكبرى التي يواجهها عالمنا العربي في فهم القضايا المعقدة ويكشف عن تصدع عميق في كيفية تعاطينا مع مأساة غزة، فبينما تجسد الأولى صوت الضمير الإنساني الذي يرفض التواطؤ مع الظلم، تمثل الثانية تيارًا يسعى لتبرير العنف وتجاهل معاناة الضحايا.

هذا الانقسام ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل هو انعكاس لمعركة أشرس تدور حول قيمنا الإنسانية الأساسية، فهل سنختار الوقوف إلى جانب المبدأ والحق، أم سنستسلم لمنطق القوة و التحالفات الزائفة، تاركين ضحايا غزة يواجهون مصيرهم وحدهم؟ وهل ستنتصر الحقيقة والمبادئ الإنسانية أم ستصبح مجرد ضحية لصراع النفوذ والتحالفات الدولية؟