
في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يبرز التصعيد الأخير للهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية كأحد أبرز الملفات التي تثير تساؤلات حول دوافعها وأهدافها وتأثيراتها المحتملة على مستقبل سوريا.
للغوص في هذا المشهد المعقد، أجرينا حوار تليفوني مع الدكتور مصطفى صلاح، مدير مركز شمس للاستشارات والبحوث الاستراتيجية، الذي يقدم لنا في هذا الحوار رؤية معمقة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التصعيد في هذا التوقيت الحساس.
ما الأسباب التي دفعت إسرائيل لتصعيد هجماتها على سوريا في هذا التوقيت بالذات؟
يوجد العديد من الأهداف التي تتعلق بتوسع إسرائيل في سوريا سواء باستهداف المطارات أو المواقع العسكرية أو احتلال الأراضي السورية على خلاف ما كان عليه قبل سقوط نظام بشار.
قبل سقوط نظام بشار، كانت هناك عمليات عسكرية ومناورات عسكرية من الجانبين.
ولكن بعد سقوط نظام بشار، توسعت إسرائيل في طبيعة المواقع المستهدفة وطبيعة الدور الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي السورية.
وجدت إسرائيل في صعود بعض التيارات ذات المكون الجهادي إلى أروقة الحكم في سوريا فرصة لتعزيز تدخلاتها في الساحة الداخلية السورية، ووجدت في موضوع الدروز تحديا.
في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، ما هي الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال هذه الهجمات؟
تسعى إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها :
أولاً: إقامة منطقة عازلة في الجنوب، وهذا يفسر سبب سيطرتها على منطقة جبل الشيخ ونشرها هناك نقاط استطلاع ومراقبة.
ثانيا: بسبب بحثها عن منطقة عازلة بشرية، وبالتالي لجأت إلى موضوع الدروز والتحالف معهم وحمايتهم وتوفير الغطاء السياسي لهم لمواجهة سلطة دمشق الجديدة للحفاظ على منطقة عازلة بشرية تمنع استهداف المصالح الإسرائيلية.
ثالثًا: تهدف إسرائيل، سواء من خلال التواجد الميداني أو نسج شبكة التحالفات مع الدروز، إلى تقوية سلطة إسرائيل من جانب.
ومن جانب آخر فرض أجندتها فيما يتعلق بالترتيبات المستقبلية السورية، سواء في طبيعة نظام الحكم أو شبكة التحالفات الجديدة التي يمكن أن تتجه إليها سلطة دمشق الجديدة.
خاصة مع الجانب التركي، بالإضافة إلى منع ظهور إيران والمليشيات التابعة لها من سوريا مرة أخرى.
لذا، فهي تسعى إلى تأمين موطئ قدم لها سواء من خلال الدروز أو من خلال التواجد العسكري والميداني الإسرائيلي.
هل يرتبط التصعيد الإسرائيلي بمحاولات الحكومة السورية (الشرع) الانفتاح على اتفاقات تطبيع مثل اتفاق إبراهيم؟
منذ صعود أحمد الشرع إلى الحكم في ديسمبر الماضي، وهو أبدى في جميع رسائله السياسية رغبته في أن تكون سوريا مستقرة وأنه لن تمثل تهديد للدول المجاورة خاصة إسرائيل.
حاول أحمد الشرع تسويق نفسه سياسيا على هذا النمط ومنذ بدايات صعود أحمد الشرع، وهو يحاول طمأنة كل الدول بأنه منفتح على كل المبادرات سواء تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو الدخول في المفاوضات الإبراهيمية.
ولكن أعتقد أن الأمر المهم في تصاعد النشاط الإسرائيلي في الفترة الأخرى هو احتمالية أن يكون هناك قواعد عسكرية تركية خاصة في منطقة تدمر.
وبالتالي إسرائيل هدفت من التصعيد في الوقت الحالي إرسال رسائل سياسية إلى تركيا بأنها لن تسمح بوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا أو الدخول إلى الساحة السورية من جديد، باعتبار أن تركيا منخرطة في الأزمة السورية منذ عام 2012، ولكن الشكل الجديد للانخراط التركي ترفضه إسرائيل.
ما الرسائل السياسية التي أرادت إسرائيل إيصالها من خلال استهداف مواقع حساسة قرب القصر الرئاسي في دمشق؟
استهداف مواقع حساسة قرب القصر الرئاسي، يمثل رسالة قوية من إسرائيل إلى الحكومة السورية الجديدة، مفادها أن إسرائيل لديها القدرة على الوصول إلى أي مكان في سوريا، وقادرة على اختراق العمق السوري.
كما أنها لن تتهاون مع أي تهديد محتمل لأمنها وقد يكون الهدف أيضا تقويض سلطة الحكومة السورية الجديدة وإظهارها في موقف ضعف، سواء أمام شعبها أوالمجتمع الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، يمثل هذا التصعيد رسالة إلى القوى الإقليمية الأخرى، مثل إيران، وتركيا، بأن إسرائيل مصممة على منع وجود أي نفوذ معادٍ لها في سوريا.
هل تعكس هذه الغارات تحولا في السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا بعد سيطرة الحكومة الإسلامية الجديدة؟
نعم، تعكس هذه الغارات تحولا في السياسة الإسرائيلية، فصعود حكومة ذات توجهات إسلامية في سوريا يمثل تحديا جديدا لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بأمن حدودها الشمالية.
إسرائيل تخشى من أن الحكومة الجديدة قد تكون أكثر عدائية تجاهها، أو أنها قد تسمح بوجود جماعات مسلحة معادية لإسرائيل على الأراضي السورية.
لذلك، قد تكون إسرائيل قد تبنت سياسة أكثر استباقية وحزما تجاه سوريا، بهدف ردع أي تهديد محتمل وتقويض سلطة الحكومة الجديدة.
هل يمكن اعتبار غياب إيران عن ساحة الحرب في سوريا تخليا عن دعم الإدارة السورية الجديدة؟
غياب إيران المفاجئ عن الساحة السورية أثار تساؤلات حول تخليها عن دعم الإدارة الجديدة، مما أدى إلى تراجع قدرتها على التأثير في السياسات الداخلية والخارجية للنظام.
ورغم أن ذلك لا يعني بالضرورة استبدال النفوذ الشيعي بنفوذ سني، إلا أن البعد الأيديولوجي في سوريا يشهد تراجعا لصالح توجه أحمد الشرع نحو الانفتاح على الغرب، وإسرائيل، ودول الإقليم، في محاولة لتسويق نفسه وتجنب الصدام.
ومع افتقار الشرع للقدرة على مواجهة عودة محتملة للنفوذ الإيراني، تبقى الساحة السورية ساحة لتجاذبات داخلية، يسعى الشرع من خلالها إلى طمأنة الداخل، ورفع العقوبات، وبناء تحالفات إقليمية تدعم إعادة الإعمار وغيرها من الملفات الأساسية.
هل هناك مؤشرات على أن إسرائيل تستغل الانقسامات الداخلية في سوريا لتعميق الأزمة الطائفية أو العرقية؟
بالتأكيد، إن إسرائيل تستغل الانقسامات الداخلية في سوريا لخدمة مصالحها، على سبيل المثال، التحالف مع الدروز في جنوب سوريا، وتوفير الدعم لهم.
كما أنها تعمق من الأزمة في الداخل السوري وتخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي، مما يخدم أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
كيف تفسر غياب رد عسكري سوري مباشر وفعال على هذه الغارات؟ وهل هناك جهات خارجية تمارس ضغوطا على دمشق لضبط النفس؟
اتخذ الشرع مجموعة من السياسات التي من شأنها محاولة منع هذه الضربات، على رأسها مطالبة الدول العربية ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ وحث إسرائيل على عدم تكرار مثل هذه الممارسات.
غير أن الواقع الميداني، يكشف عن محدودية قدرات أحمد الشرع في مواجهة مثل هذه الضربات فهو لا يمتلك القوة العسكرية والسياسية الكافية.
وبالتالي فهو يحاول بصورة أو بأخرى أن يجد غطاء إقليمي يسانده في رفض مثل هذه التدخلات.
خاصة أن هذه التدخلات لا تقتصر فقط على الهجمات العسكرية، بل امتدت لتشمل التدخل العسكري في مناطق الجنوب السوري ووجود تحالف بين الدروز وإسرائيل فيما يتعلق برؤيتهم للحكم في سوريا.
وبالتالي، أحمد الشرع يواجه تحديات ليس فقط في عدم قدرته على ردع استهداف إسرائيل ومنع تكرار مثل هذه العمليات، ولكن أيضا في عدم قدرته على بسط نفوذه على كامل الأراضي السورية.
برأيك، هل الجيش السوري الحالي يمتلك القدرة على مواجهة التعديات الإسرائيلية المتكررة؟
بالنظر إلى الوضع الحالي للجيش السوري، فهو لا يمتلك القدرة ولا القوة على مواجهة التعديات الإسرائيلية، فالشرع لا يمتلك القوة العسكرية أو السياسية التي تمكنه من مواجهة إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الجيش السوري منشغل بمواجهة تحديات أخرى داخلية، في ظل هذه الظروف، فإن الجيش السوري غير قادر على خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي تمتلك تفوقا عسكريا كبيرا.
هل ترى ردود فعل الشارع السوري والانتقادات اللاذعة التى تم توجيهها للشرع في التعامل مع الغارات الإسرائيلية مبالغ فيها أم لا ؟
بطبيعة الحال، إن استهداف إسرائيل لعمق دمشق بهذه الطريقة أثار الكثير من الجدل في الشارع السوري.
خاصة أن أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع كان من أهم أهدافه هو تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه منذ وصوله إلى الحكم لم يتخذ أي قرار أو سياسة من شأنها الحد من السياسات الإسرائيلية.
وبالتالي، هناك تناقض بين أبو محمد الجولاني رئيس فصيل مسلح أو جهادي وبين أحمد الشرع رئيس الدولة، وبالتالي، الشارع السوري ينظر بتناقض إلى هذه الممارسات من جانب الشرع، وإلى أنه لم يعد قادرا على الحفاظ على أمن واستقرار سوريا.
كما أن هناك الكثير من الملفات السورية التي ظهر فيها أحمد الشرع على أنه الرئيس الذي لا يملك من الحكم شيئا، فبالتالي الانتقادات الموجهة للشرع ليس مبالغ فيها فهو في النهاية لم يستطع الحفاظ على أمن سوريا .
كيف تقيّم مواقف الأمم المتحدة والدول الكبرى تجاه الهجمات الإسرائيلية على سوريا؟ ولماذا يظل الرد الدولي ضعيفا؟
هناك حالة ترقب مدفوعة بكثير من الشكوك حول جدوى الضربات الإسرائيلية، إسرائيل تصدر للرأي العام العالمي أنها تحمي أمنها، خاصة أن السلطة الأمنية الجديدة ذات خلفية جهادية مصنفة على أنها تنظيم إرهابي.
هذا ما تسوقه إسرائيل وتظهره للعالم وللمنظمات الدولية على أنها تستهدف من هذه الضربات لحماية أمنها ضد هذه الجماعات المسلحة التي تستهدف وجودها.
وبالتالي، سواء العالم العربي أو الغربي ينظرون إلى إسرائيل على أنها لديها مخاوف، ولكن في حقيقة الأمر، إسرائيل استغلت وجود أحمد الشرع في السلطة لانتهاج سياسة أكثر توسعية.
كيف ترى رد فعل الدول العربية، وبخاصة مصر، على العدوان الإسرائيلي؟
مصر بشكل عام، سواء قبل وصول الشرع أو بعده، لديها ثوابت تتعلق بمثل هذه التصرفات.
فهي كما أصدرت في بيان وزارة الخارجية المصرية أنها ترفض مثل هذه الممارسات بجانب إسرائيل وتنفيذ العديد من الهجمات لفض الاشتباك أو استهداف القصر الرئاسي في دمشق.
وأوضح البيان أن السياسة الخارجية المصرية ترفض مثل هذه التصرفات لإسرائيل، وتركيا، أو غيرها من الدول و بالتالي، الموقف المصري يرفض التدخلات الخارجية في شؤون الوطن العربي.