
منذ سقوط النظام السوري السابق ” الأسد “، وتولى النظام السوري الحالي الحكم فى سوريا ، نفذت إسرائيل مئات الهجمات العسكرية داخل الأراضي السورية، مكثفة أنشطتها على مراكز عسكرية رئيسية، الأمر الذي يزيد من التوترات الجيوسياسية في المنطقة السورية، ويوسع دائرة الصراع الإقليمي، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
على مر التاريخ والعلاقات بين سوريا وإسرائيل يشوبها التوترات والصراعات ،حيث شاركت سوريا فى جميع الحروب الرئيسية ضد إسرائيل بدءا بحرب 1948 ومرورا بحرب 1967 وحرب 1973، فلم تشهد الدولتان سلاما رسميا وذلك منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، وإنما شهدت العلاقات صعودا وهبوطا .
المشهد الحالي
منذ أن أطاحت المعارضة بحكم الأسد، نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية فى سوريا، معللة أنها تفعل ذلك لمنع الأسلحة الكيماوية وغيرها من الوقوع في أيدي ما أسمتهم ب ” المتطرفين ” ، حيث استهدفت قواعد بحرية ومستودعات أسلحة وذخيرة ومراكز أبحاث، معللة فعلها بحماية شعبها وتأمين أراضيها ضد أى هجوم.
كنقل الجيش الإسرائيلى قواته إلى المنطقة منزوعة السلاح فى مرتفعات الجولان المحتلة، حيث أدانت دول عربية وغربية هذا الهجوم إذ أنهم يعتقدون أن إسرائيل تحاول توسعة المناطق الخاضعة لسيطرتها وتعزيز قوتها فى المنطقة، بينما تصر إسرائيل على أن السيطرة مؤقتة، وأن الإنسحاب يعتمد على سلوك المعارضة السورية والحكومة الجديدة.

الجولان المحتلة
تعتبر منطقة الجولان نقطة الخلاف الرئيسي، وأساس الشد والجذب فى العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وذلك منذ احتلال إسرائيل لها عام 1967، و التى حاولت إسرائيل استعادتها عام 1973 ولكن لم تنجح فى ذلك .
تبلغ مساحة الجولان المحتلة 1150 كم مربع، وتضم 137 قرية، بالإضافة إلى مدينتي القنيطرة وفيق ، حيث بلغ عدد المستوطنات فى الجولان المحتلة 45 مستوطنة، كما بلغ عدد سكان منطقة الجولان 40 ألف نسمة، أكثر من نصفهم من الدروز والبقية مستوطنون إسرائيليون .
فى مارس 2019 اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بتبعية منطقة الجولان لإسرائيل، وذلك بموجب مرسوم وقّع عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى .
وصرح قائد سابق فى الجيش الإسرائيلي بأن ” هضبة الجولان هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل وأنها جزء لا يتجزأ من الدولة” .
في حين أن الموقف السوري الرسمي لا يزال يؤكد على عدم توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل دون الانسحاب الكامل من هضبة الجولان، إلا أن هذا المطلب لم يعد يتردد بنفس القوة في التصريحات السورية الأخيرة، وذلك في ظل الأوضاع الداخلية والإقليمية التي تشغل البلاد.
اتفاقية 1974
فى عام 1974 وقع البلدان اتفاقية وقف إطلاق النار فى جنيف، و التي نصت على إنشاء خطان فاصلان أحدهما إسرائيلي والآخر سوري، وبينهما المنطقة العازلة، والتى عادت بموجب الإتفاق تحت السيادة السورية، على أن تتولى القوات التابعة للأمم المتحدة “يوندوف ” مراقبة تلك المنطقة، وضمان الحفاظ على تنفيذ الإتفاقية .
العلاقات بين البلدين فى عهد بشار الأسد
منذ نشوب الحرب الأهلية فى سوريا عام 2011، تركزت سياسة إسرائيل فى سوريا على مجموعة من الأهداف أهمها؛ منع قوات الأسد من الوصول إلى خطوط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان المحتلة.
وسعَت إسرائيل لإحباط محاولات حزب الله وإيران لتهريب أسلحة متطورة، وخاصة الصواريخ عبر سوريا إلى جنوب لبنان لتعزيز قوتهما العسكرية.
كما عملت على منع أي تمركز للجماعات المسلحة التي تقاتل قوات الأسد وحلفائه بالقرب من هضبة الجولان، وضمان عدم تأثير التدخل الروسي في الحرب السورية على قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ أهدافه فى سوريا والتى سبق ذكرها .
على الرغم من تجنب الرئيس السوري بشار الأسد المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل، إلا أن سياسته سمحت لإيران خصم إسرائيل اللدود، بتمهيد طرق إمداد حيوية للجماعات المسلحة المدعومة من طهران، وفي مقدمتها “حزب الله” اللبناني، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحركة “حماس”، حيث أطلق “حزب الله” آلاف الصواريخ من الأراضي اللبنانية على إسرائيل.
وعلى غرار ما اتخذته دول عربية أخرى من سياسة تطبيع العلاقات مع إسرائيل كدولة الإمارات، جاءت تصريحات الرئيس السابق ” بشار الأسد ” لأحد القنوات الروسية الرسمية “موقفنا واضح جدًا منذ بداية محادثات السلام في تسعينيات القرن العشرين، أي قبل نحو ثلاثة عقود، عندما قلنا إن السلام بالنسبة لسوريا يتعلق بالحقوق، وحقنا هو أرضنا” فى إشارة إلى منطقة الجولان المحتلة منذ حرب 1967 وحتى الآن .
وهو ما يشير ألى أن هذه القضية ظلت محور الشد والجذب فى العلاقات بين البلدين على اختلاف العصور.
العلاقات فى عهد الشرع
منذ تولى أحمد الشرع مقاليد الحكم فى سوريا وخلع بدلته العسكرية وظهر ببدلته المدنية الرسمية، وهو يصرح بأنه لا يرغب فى صدام مباشر مع إسرائيل أو مواجهتها، فضلا عن سياسته الخارجية التى اتسمت بالإنفتاح ومحاولة تحسين العلاقات مع الدول المجاورة .
حيث صرح” الشرع” بأنه ليس معنيا بدخول صراعات جديدة ، وإن التركيز سيكون على إعادة البناء، كما تحدث عن روسيا وبأن المرحلة تتطلب إدارة حذرة للعلاقات الدولية.
إلا أن ما تقوم به إسرائيل من هجوم بري غير مسبوق فى الأراضي السورية، متوغلة إلى عمق فى البلاد ضاربة باتفاقية 1974 عرض الحائط ، قد يؤدى إلى التصعيد وتحريك الموقف السوري إلى الرد .
حيث شدد وزير الدفاع الإسرائيلي “إسرائيل كاتس” ، على أن تل أبيب لن تسمح بأن يتحول جنوب سوريا إلى نسخة أخرى من جنوب لبنان.
وفى القمة العربية الطارئة التى عقدت فى مصر، وصف الشرع التوسع التى قامت به إسرائيل بأنه ” توسع عدواني” ، كما حث المجتمع الدولي على الضغط على إسرائيل للانسحاب الفوري من جنوب سوريا، معتبرا أن توغلها الميداني يشكل تهديدا مباشرا للأمن في المنطقة.
فبينما تصر إسرائيل على أن سياساتها نابعة من رغبتها في حماية أمنها القومي وحماية الأقليات إلى أن المحللون والخبراء أكدوا على أن التحركات الإسرائيلية فى جنوب سوريا، جزءا من مصالحها الإستراتيجية والإقتصادية فى فى المنطقة .