أحمد الفخراني
في إحدى المرات عندما كان جيرارد بيكيه لاعب برشلونة السابق يتناول العشاء في مطعمه الخاص في برشلونة مع أحد أصدقائه، جاء طفلين لالتقاط الصور معه ولكن سرعان ما تحول اهتمام الطفلين إلى الضيف ونسوا بيكيه تماما وهو ما كان أمرا غريبا للغاية بالنسبة لبيكيه.
كان الضيف هو ايباي يانوس وهو ستريمر إسباني يلعب لعبة ليج أوف ليچيندز أو كما يقال عليها “لول” ويمتلك فريق للألعاب الإلكترونية يسمى كوي ولديه 17 مليون متابع على منصة تويتش و 11 مليون آخرين على منصة انستجرام.
علق هذا الموقف في ذهن بيكيه وهو ما جعله يطرح على نفسه سؤالا مهما: أنا من يلعب في برشلونة وزوجتي شاكيرا فلماذا تحول اهتمام الطفلين إلى ايباي وكأني غير موجود ؟
وتكمن الإجابة هنا في فكرة البثوث الحية على منصة تويتش وهو ما يميز ايباي عن أي لاعب كرة قدم مشهور حيث تمكنه تلك البثوث من التواصل مع الجماهير بشكل مباشر.
بالإضافة إلى ظهوره في تلك البثوث لمدة ست ساعات بشكل يومي مما يجعله يظهر بشكل عفوي وعلى طبيعته أمام الجميع.
التنوير
وهنا كانت لحظة التنوير عند بيكيه وهو ما جعله يدرك أن هناك منعطف تاريخي أمام مستقبله ومستقبل كرة القدم ونتيجة لذلك قام بالاجتماع مع شركة كوسموس، وهي الشركة التي أسسها عام 2017 تحضيرا لما سيفعله عقب اعتزاله، المدعومة من شركة راكوتين الراعي لفريق برشلونة في ذلك الوقت التي يرأسها هيروشي ميكيتاني.
جيل زد
أثبتت الدراسات واستطلاعات الرأي في 2021 أن 42% من جيل زد الذي يتراوح عمره بين 13 إلى 21 عاما غير مهتم بالرياضة، بينما الشرائح العمرية الأخرى تبلغ نسبتها 25% أو أقل.
ويرجع ذلك لسببين أولهما أن الرياضة أصبحت مسوقة بشكل مبالغ فيه وأن 55% من جيل زد يميل لمشاهدة الملخصات بدل المباراة نفسها بسبب الإعلانات والفواصل الكثيرة.
بالإضافة إلى أن إذا كان هناك شخص من تلك الفئة مهتم بتحليل المبارايات لن يشاهد لاعب سابق يحلل أداء فريق أو لاعب معين وقد يكون لا يعرف من هذا اللاعب السابق من الأساس!
بالعكس، سيلجأ إلى حلول أخرى على منصات التواصل الاجتماعي تقدم له المنتج الذي يبحث عنه، أو لن تجده مهتم بفكرة التحليل الفني من الأساس.
وحسب تقارير نشرتها الجارديان ونيويورك تايمز وديلي ميل أن متوسط عمر مستهلكي كرة القدم المتلفزة وصل إلى 50 سنة.
وأن كرة القدم التي نعرفها الآن لن تكون اللعبة الشعبية الأولى خلال 15 عاما وهو رقم مرعب لكل القائمين على اللعبة.
حلول بيكيه
وهنا كان الحل عند بيكيه، المبارايات الطويلة ستصبح 40 دقيقة على شوطين، أما عن التعقيد ف سنجعل عدد الفرق المشاركة 12 فريق سيلعبون موسمين وهما الصيف والشتاء ولكل موسم بطل وكل فريق مكون من 7 لاعبين.
وبالنسبة لكثرة المواعيد فسنجعلها 6 مبارايات أسبوعية ستُلعب جميعها يوم الأحد، أما عن الإعلانات الكثيرة وهي عدو جيل زد الأول فستكون المباريات متاحة على يوتيوب وتويتش وتيك توك بدون اي إعلانات وبشكل مجاني.
ولجذب جيل زد جعل بيكيه لكل نادي رئيس منهم نجوم قدامى مثل رونالدينيو وكاسياس وتوتي.
أو نجوم جدد مثل هازارد ونيمار واجويرو، أو حتى نجوم أجدد مثل لامين يامال وستريمرز مثل ايباي يانوس.
قواعد المباراة
الإنذار يعني توقفك عن اللعب لمدة دقيقتين أما الطرد خمس دقائق، لا يوجد أشواط إضافية، في حالة التعادل يتم الاتجاه لضربات الترجيح وهي غير تقليدية بالطبع حيث تكون عبارة عن أن اللاعب يحمل الكرة من منتصف الملعب منفردا بالحارس ولديه خمس ثواني فقط يسجل خلالهم.
ويجب على رؤساء الفرق الظهور في بثوث مباشرة يتواصلون من خلالها مع جمهورهم بشكل مباشر.
تلعيب الرياضة
وهو ما اتجه إليه بيكيه في دوري الملوك عن طريق دمج كرة القدم مع ألعاب الفيديو بالإضافة إلى المراهنات وسيتم نقل ذلك إلى الهواتف.
ويتم ذلك عن طريق أن قبل كل مباراة سيختار الفريق كارت عشوائي يتضمن امتياز معين يستطيع استخدامه خلال أربع دقائق من بداية الشوط الثاني إلى الدقيقة 38.
من أشكال هذه الامتيازات أن الفريق إذا سجل هدف في فترة معينة من المباراة سيحسب بهدفين أو اختيار لاعب من الفريق الخصم ليخرج لمدة أربع دقائق أو الحصول على ركلة جزاء في أي وقت خلال المباراة ويمكن لرئيس النادي تنفيذ الركلة بنفسه.
نتيجة لكل ذلك يتم إنتاج محتوى غني بالدوبامين الذي يبحث عنه جيل زد وهنا يشعر المشاهد أن الغرض الرئيسي من متابعة كرة القدم هو الترفيه والمتعة والتسلية قد عاد مجددا.
أرقام دوري الملوك
وقد تابع الناس البطولة من اليوم الأول حيث وصل عدد مشاهدي أول جولة إلى 450 ألف مشاهد، وفي مباراة واحدة ضمن هذه الجولة بلغ عدد المشاهدين 780 ألف متفرج.
وتم كسر جميع تلك الأرقام مع مرور الوقت حيث أعلن اوريول كيروي المدير التنفيذي لإستوديوهات كوسموس أن متوسط المشاهدات الأسبوعية يبلغ من 600 إلى 700 ألف شخص ووصلوا إلى أن عدد المشاهدات الحية يتجاوز 1370000 شخص للمباراة الواحدة وبالطبع هذه الأرقام في تزايد مستمر.
وفي السياق ذاته، قام بيكيه بتأجير ملاعب أكبر لاستيعاب عدد أكبر من الجماهير وكان من ضمن الملاعب ملعب كامب نو، واستطاع بيع 50 ألف تذكرة في مباراة واحدة.
بالإضافة إلى جمع 60 مليون يورو في الأسبوع الأول من عرض دوري الملوك، وجذب رعاة مثل ماكدونالدز وسبوتيفاي واديداس وبلغت الإيرادات الضعف في عام 2024 و ثلاثة أضعاف في 2025.
التكيف
وهو الشيء الذي كان يلعب عليه بيكيه منذ البداية وهو أن تتكيف المسابقة مع مطالب الجمهور أيا كانت الرياضة التي يتم بثها وبالتحديد جمهور منصات التواصل الاجتماعي.
وبالطبع إذا أردت التكيف مع مطالب الجمهور ف يجب أن تتعرف على احتياجات الجمهور وهو ما يتم معرفته عن طريق البثوث الحية التي يظهر فيها رؤساء الأندية مع جماهير الفريق مثل ما حدث مع اجويرو في أحد البثوث.
واقترح عليه أحد المتابعين إضافة كارت يسمى الجوكر يقدر من خلاله الفريق الحاصل عليه أن يختار الامتياز الذي يريده أو إلغاء كارت الفريق الخصم أو سرقة امتياز كارت الخصم.
وأعجب اجويرو بالفكرة وقام بعرضها على بيكيه الذي أعجب أيضا بالفكرة وتمت إضافتها إلى الدوري وتم إعلان اسم الحساب الذي قام باقتراح الفكرة.
أهداف بيكيه
كان هدف بيكيه بجانب الربح هو إنقاذ اللعبة وأن تعود إلى كونها لعبة غرضها الأساسي المتعة والتسلية مثلما حاول بيريز رئيس ريال مدريد أو لابورتا رئيس برشلونة من أجل تطبيق نظام السوبر ليج.
وفي النهاية هل ستتغير ملامح كرة القدم عن ما نعرفه الآن أم لا ؟
