في الوقت الذي تتصدر فيه قضايا الهجرة عناوين الأخبار والنقاشات السياسية، قليلون من يتوقفون عند الاتجاه المعاكس: الهجرة العكسية الدولية.

بينما تتجه أنظار الشباب إلى الخارج بحثا عن حياة أفضل، هناك من يعودون إلى أوطانهم محملين بتجارب متباينة، ما بين النجاح وخيبة الأمل، الحنين والاستقرار، الفرص والتحديات.

هذه العودة التي كثيرا ما تُغفل تكشف عن وجوه أخرى للهجرة، وعن واقع لا يقل أهمية عن لحظة الرحيل.

لا يتحدث كثيرون عن المصاعب التي قد يواجهها العائدون، رغم أن تلك العودة التي يُفترض أن تكون “بداية جديدة” كثيرا ما تتحول إلى نهاية مأساوية.

“ابو سند بين الوطن والغربة “

“كان دائما ببالي أن أعود إلى بلدي في يوم من الأيام”، يقول أبو سند، الذي عاش 15 عاما في الولايات المتحدة قبل أن يقرر العودة إلى الأردن في أكتوبر 2024، بعد حادثة شخصية هزته.

أراد أن يربي أبناءه في بيئة محافظة، ويغرس فيهم القيم والعادات العربية، بعيدا عن ما وصفه بـ”الانحلال الأخلاقي، وضياع الهوية، والتمييز ضد الإسلام”.

عودة لا تشبه البداية

ونلاحظ أن الهجرة العكسية، خاصة من أوروبا إلى دول مثل الأردن والمغرب وغير ذلك من الدول، تتزايد كثيرا هذة الفترة وذلك لأسباب متعددة منها :-

  • تصاعد مشاعر الإسلاموفوبيا •التمييز ضد المسلمين.
  • رغبة بعض الأسر في حماية أبنائهم من فقدان الهوية.
  • خيبة الأمل من الغرب خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة والتضييق على الأجانب.
  • الإيمان بضرورة العودة لخدمة الوطن رغم كل ما فيه.

لكن هذه العودة، في كثير من الحالات، لا تجد أرضا خصبة تحت الأقدام.

يعود الكثيرون بأحلام وخطط لكنهم يواجهون تحديات كثيرة مثل :-

  • معدلات بطالة مرتفعة، تعيق حصولهم على عمل.
  • صعوبة البدء بمشاريع خاصة بسبب نقص التمويل أو الخبرات المحلية.
  • ضعف البيئة القانونية الداعمة للمشروعات الصغيرة.
  • فجوة ثقافية واجتماعية تجعل من الاندماج مجددا مهمة صعبة.

تتحول حياة البعض من النظام والانضباط الذي عاشوه في الخارج، إلى بيئة غير معتادة، فينهار الإحساس بالسيطرة والاتزان.

أما الأبناء الذين نشأوا في بيئة مختلفة، فقد يواجهون أزمة هوية حادة، تجعلهم عالقين بين ثقافتين دون انتماء واضح لأي منهما، غير ذلك تغير العلاقات الاجتماعية فيظهر الفشل في الاندماج مجددا في المجتمع ويؤدي هذا إلى العزلة، القلق، والاكتئاب،

على الرغم من التحديات، توجد العديد من الفوائد التي يمكن أن تكون نتيجة للهجرة العكسية.

فالعديد من العائدين يعيدون التواصل مع جذورهم الثقافية والاجتماعية.

هذه العودة تتيح لهم تربية أبنائهم في بيئة تتماشى مع القيم الثقافية التي فقدوها أثناء حياتهم في الخارج.

كما توفر العودة إلى الوطن نوعا من الاستقرار الاجتماعي والعائلي، خاصة للأسر التي تبحث عن بيئة أكثر أمانا وأكثر استقرارا من بيئات العمل الحضرية الصاخبة في الخارج.

من يحكي عن العائدين؟

الكل يتحدث عن من يسعى للهجرة، لكن نادرا من يتوقف ليسأل: ماذا عن الذين عادوا؟ هل وجدوا في الوطن ما كانوا يبحثون عنه؟ وهل الدولة مستعدة أصلا لاحتضانهم، أم أنها تدفعهم مرة أخرى للهرب، ولكن هذه المرة بلا رجعة؟

الغربة الحقيقية ليست مكانا

الهجرة ليست دائما إلى الأمام، وأحيانا الرجوع ليس تقدما، بل سقوط في هوة مجهولة.

عندما لا يجد العائد سندا، ولا لمشروعه فرصة، أو بيئة آمنة لأبنائه تصبح الغربة في قلب الوطن أقسى من أي منفى.

وفي النهاية، لا يكمن الأمر في المكان، بل في الشعور بالانتماء والأمان النفسي والاجتماعي.

بينما ينظر إلى الهجرة غالبا على أنها بحث عن فرص أفضل، قد تكون العودة إلى الوطن رحلة أكثر تعقيدا ودهشة.

ففي حين يحتاج العائدون إلى الدفء والألفة، قد يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات لم تخطر ببالهم أبدًا، لتصبح الغربة في قلب الوطن أحيانًا أشد وطأة وقسوة من سنوات البعد.

فإذا لم تحتضن الأرض العائد، ولم تمنحه سندا وأمانا، قد تتحول العودة المنشودة إلى بداية لفصل جديد من الألم والضياع.

وهذا ما يدعونا للتساؤل بجدية هل تهيئ الدول بيئة حاضنة وداعمة لأبنائها العائدين؟ وهل تستطيع أن تمنحهم الأمل الحقيقي في أن يكون الوطن بالفعل مكانا للحياة الكريمة والاستقرار ؟