
بعد أن باتت الأزمات البيئية والاجتماعية والاقتصادية أكثر حدة هل تنجح البشرية في تحقيق معادلة “التنمية من غير تدمير ؟
من أزمة المناخ إلى قلة الموارد، ومن اتساع الفجوة الاجتماعية إلى الانهيارات الاقتصادية المتكررة، تدفع التحديات العالمية اليوم المجتمع الدولي نحو إعادة التفكير في شكل التنمية.
لم يعد النمو الاقتصادي كافيا وحده، بل بات مطلوبا أن يكون “مستدامًا” أي يلبي احتياجات الحاضر دون أن يهدم قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
هنا، تحديدا برز مفهوم “التنمية المستدامة ” كأحد أكثر المفاهيم الاستراتيجية تأثيرا في السياسات الدولية المعاصرة.
الأهداف الـ 17: خطة إنقاذ كوكب

في عام 2015، وضعت الأمم المتحدة أجندة طموحة من 17 هدفًا تُعرف بـ “أهداف التنمية المستدامة (SDGs)”، يُفترض تحقيقها بحلول عام 2030.
تبدأ هذه الأهداف من القضاء على الفقر والجوع، وتمتد إلى التعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والعمل اللائق، والطاقة النظيفة، وصولا إلى العمل المناخي، والسلام، وبناء المؤسسات الفعالة.
يقول الخبراء إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تكاملا بين ثلاثة أبعاد: الاقتصاد، البيئة، والمجتمع، وهي المعادلة التي لا تزال تُشكل التحدي الأكبر أمام صناع القرار.
من الطاقة إلى التعليم: مشاريع تترجم المفهوم إلى واقع

بعض الدول قرأت مبكرا خريطة الطريق، واتخذت خطوات عملية لترجمة المفهوم إلى سياسات.
المغرب على سبيل المثال، أصبح نموذجا في توظيف الطاقة الشمسية والرياح لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
أما الإمارات فأطلقت مشاريع رائدة مثل “مدينة مصدر” للطاقة النظيفة، وساهمت في تمويل مشاريع تنموية عالمية عبر صندوق أبو ظبي للتنمية.
وفي لبنان نظّمت لجنة “الإسكوا” – اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا – برامج لبناء قدرات المجتمعات الريفية على استخدام الطاقة المتجددة.

كما اعتمدت دول مثل الأردن برامج لترشيد المياه وإعادة استخدامها، في ظل التحديات البيئية القاسية.
في قطاع التعليم بدأت بعض الحكومات بتطوير مناهج تدمج مبادئ التنمية المستدامة مثل: الابتكار، والمهارات الخضراء، والتكنولوجيا، لضمان جيل مستعد للواقع الاقتصادي والبيئي الجديد.
رغم التقدم.. يوجد عقبات في الطريق

ومع ذلك، لا تزال الطريق محفوفة بالعقبات.
التمويل يأتي في مقدمة التحديات؛ فالدول النامية والعربية خصوصا، تواجه فجوة ضخمة في تمويل برامج التنمية.
تُشير تقارير دولية إلى أن “ضعف المؤسسات” و”القدرات الحكومية المحدودة” يعيقان المتابعة والتنفيذ.
كما أن الأزمات السياسية والصراعات في بعض المناطق تعرقل كل الجهود.
ويحذر خبراء البيئة من أن تغير المناخ، إذا لم يُدمج في خطط التنمية، قد يُفشل مساعي الاستدامة بالكامل، خصوصا في المناطق الجافة مثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تتناقص الموارد بشكل حاد.
توصيات على الورق … فهل تتحول إلى أفعال؟
تقترح تقارير الأمم المتحدة ومراكز الأبحاث عددا من الإجراءات لإنقاذ المسار: إصلاح السياسات المالية ورفع كفاءة إدارة الموارد، الاستثمار في التعليم والصحة والشباب، تعزيز الشفافية وبناء مؤسسات قوية، دمج البيئة في كل مراحل التخطيط، والأهم تمكين الفئات المهمشة، لا سيما في المناطق الريفية والمتأثرة بالنزاعات.
التنمية ليست رفاهية

في ظل ما يشهده العالم من اضطرابات مناخية وجيوسياسية، بات واضحا أن التنمية المستدامة لم تعد خيارا، بل ضرورة.
العالم أمام مفترق طرق: إما أن يُعيد رسم مساره الاقتصادي والاجتماعي على أسس الاستدامة، أو يواجه مستقبلا أقل أمنا، أقل عدالة، وربما أقل حياة.