
في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الإلكتروني التي شهدتها مصر مؤخرًا، وقع ملايين الضحايا في فخ منصة FBC، التي وعدتهم بأرباح خيالية عبر استثمار رقمي وهمي. المنصة التي بدأت نشاطها في فبراير 2025، نجحت في اجتذاب ملايين الأشخاص، ممن أودعوا أموالهم على أمل تحقيق مكاسب سريعة، قبل أن تختفي فجأة ومعها 6 مليارات دولار بحسب بعض التقارير.
كيف بدأت FBC عملية النصب؟
بدأت منصة FBC بالترويج لنفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقدمة نفسها كفرصة استثمارية مضمونة. كانت الفكرة بسيطة: اشترك بمبلغ مالي بسيط، شاهد مقاطع فيديو، أو قم بتنفيذ مهام إلكترونية، واحصل على أرباح أسبوعية تصل إلى 450% من رأس المال. لجذب المزيد من الضحايا؛ اعتمدت المنصة على شهادات مزيفة لأشخاص زعموا أنهم حققوا ثروات من خلالها، مما عزز مصداقيتها في البداية.
اعتمدت منصة FBC على مؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لنفسها، فمع الساعات الأولى من إطلاق تطبيقها على متجري «جوجل بلاي» و«آبل ستور» في بداية فبراير الجاري، قام نحو 15 ألف مستخدم بتحميله على هواتفهم، مدفوعين بالثقة التي اكتسبوها من الإعلانات الممولة على «إنستجرام» و«تيك توك».
بحسب موقع «Broker Chooser»، اعتمدت المنصة على نظام اشتراكات يتيح للمستخدم اختيار باقة استثمارية محددة، من بينها باقة خاصة بالمشتركين المصريين بقيمة 11,200 جنيه مصري. توفر هذه الباقة للمستثمر ربحًا يوميًا قدره 490 جنيهًا، بالإضافة إلى مكافأة تصل إلى 5000 جنيه، مع إمكانية تنفيذ 35 مهمة يوميًا لتحقيق الأرباح.
لم يكن الأمر مجرد خدعة عشوائية، بل كان مخططًا احتياليًا مدروسًا بدقة. في البداية، دفعت المنصة أرباحًا للمستثمرين الأوائل لبناء الثقة، ثم بدأت تدريجيًا في فرض قيود على عمليات السحب، حتى حانت اللحظة المناسبة لإغلاق الموقع والاستيلاء على الأموال.
اللحظات الأخيرة قبل الانهيار
قبل أيام من اختفاء المنصة، نظم القائمون عليها حفلة عشاء في إحدى قاعات كورنيش إمبابة، حيث أكد المسؤولون عن FBC للمستثمرين أن المنصة تحقق نجاحًا غير مسبوق، مطالبينهم بجلب المزيد من المشاركين. لم يكن أحد يدرك أن تلك الليلة ستكون الأخيرة التي يسمعون فيها هذه الوعود.
في الساعات الأولى من اختفاء منصة FBC، حاول مجلس إدارتها تهدئة المستخدمين بزعم تعرضها لهجوم سيبراني أدى إلى توقف الخدمات. وأكدوا عبر رسائل داخلية أن المشكلة تقنية، واعدين بعودة المنصة إلى العمل فور إصلاح الخلل. لكن مع مرور الوقت دون أي استجابة، بدأ المشتركين يدركون أن الأمر ليس مجرد عطل تقني، بل عملية احتيال محكمة.
وبمجرد اختفاء المنصة تمامًا وتعذر الوصول إلى الأموال، تدفق الضحايا إلى مراكز وأقسام الشرطة في مختلف المحافظات لتحرير محاضر رسمية ضد القائمين على المنصة، متهمين إياهم بالاستيلاء على 6 مليارات دولار من المستخدمين، في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الإلكتروني التي شهدتها البلاد.
بعد اختفاء المنصة، بدأ الضحايا في تبادل التحذيرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تصدرت القصة عناوين الأخبار، وسط موجة غضب وبلاغات بالجملة إلى الجهات الأمنية.
حذرت تقارير من أن منصة FBC قد تكون امتدادًا لمنصات احتيالية سابقة، مثل PHD، التي استولت على ملايين الدنانير من المستثمرين في الأردن. كما أشار موقع «Broker Chooser» إلى أن شركة Different Choice FBC Inc، المرتبطة بالمنصة، لا تخضع لتنظيم من قبل هيئات مالية ذات معايير صارمة، مما يزيد من مخاطر التعامل معها ويضع المستثمرين في مواجهة احتمالات خسائر مالية جسيمة.

تسريب بيانات الضحايا يفاقم الأزمة
كشفت تقارير حديثة عن تعرض بيانات المستخدمين في منصة FBC للاختراق، حيث أظهرت لقطات شاشة، شاركها الدكتور محمد الحارثي استشاري أمن المعلومات مع “العربية Business”، أن المنصة زعمت تعرضها لعملية قرصنة أدت إلى توقف خدماتها، بما في ذلك عرض الإعلانات والمهام اليومية.
في محاولة لطمأنة المشتركين، أعلنت المنصة عبر مجموعات خاصة على تليغرام أنها تتواصل مع مركز EG-CERT، الجهة الحكومية المسؤولة عن الأمن السيبراني في مصر، لاستعادة خدماتها. ومع ذلك، لم يكن هذا سوى ستار دخاني يخفي وراءه عملية احتيال كبرى.
وأكد الحارثي أن جميع بيانات المستخدمين المسجلين على المنصة قد تم تسريبها على الدارك ويب، وتشمل بيانات حساباتهم على المنصة، وسجلاتهم المحفوظة على الأجهزة التي استخدموها للوصول إليها، مثل بيانات حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، وسجلات البحث، والتطبيقات المختلفة. ورغم ذلك، لم يتم التأكد بعد من مدى تسريب بياناتهم المالية وما إذا كانت قد استخدمت في عمليات أخرى أم لا، ما يزيد من المخاطر المحتملة التي قد يواجهها الضحايا لاحقًا.
تحركات أمنية وملاحقة للمتهمين
تحركت الأجهزة الأمنية المصرية بسرعة، وبدأت في تعقب المتورطين في عملية النصب. وكشفت التحقيقات أن المتهم الرئيسي، ويدعى “ح.ع”، كان يدير شبكة من الوكلاء في محافظات مختلفة، أبرزها الدقهلية والبحيرة، حيث نجح في استقطاب آلاف الضحايا.
ووفقًا للتحريات، فقد تم القبض على عدد من المتهمين في القاهرة والبحيرة والدقهلية، فيما لا تزال عمليات البحث جارية عن بقية أفراد الشبكة.
المأساة تتفاقم.. ضحايا في كل مكان
لم تتوقف تداعيات انهيار FBC عند خسارة الأموال فقط، بل امتدت إلى مآسٍ إنسانية. في محافظة الدقهلية، فارقت سيدة عجوز الحياة بعد أن فقدت 50 ألف جنيه كانت قد أودعتها في المنصة، حيث تعرضت لأزمة قلبية نتيجة الصدمة. كما تم تسجيل حالات طلاق بسبب الخلافات المالية الناجمة عن استثمار الأموال في المنصة الوهمية.
كيف يمكن للضحايا إسترداد أموالهم؟
على الرغم من التحذيرات المتكررة من الخبراء الماليين والجهات الأمنية، يواصل الكثيرون الوقوع ضحية لمثل هذه المخططات. ويعود ذلك إلى قلة الوعي المالي والطمع في تحقيق أرباح سريعة دون التحقق من مصداقية الجهات التي يستثمرون فيها أموالهم.
ومع استمرار التحقيقات في قضية منصة FBC، تبدو فرص استرداد الأموال المسروقة ضئيلة، نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من المبالغ قد تم تحويله عبر محافظ إلكترونية وحسابات خارجية، مما يجعل تتبعها واستعادتها أمرًا معقدًا.
ويشير خبراء القانون إلى أن إمكانية تعويض الضحايا تعتمد على مدى نجاح الأجهزة الأمنية في استعادة أي جزء من الأموال المنهوبة. وفي حال تمكنت السلطات من تعقب المتورطين وضبط الأصول المالية، قد يحصل المتضررون على تعويضات جزئية، إلا أن ذلك يظل مرهونًا بنتائج التحقيقات وإجراءات الاسترداد المالي.
لذلك، ينصح خبراء القانون بأن يتخذ الضحايا خطوات قانونية وأمنية لحماية حقوقهم، تبدأ بتقديم بلاغات رسمية لدى أقسام الشرطة والنيابة العامة، مع الاحتفاظ بكل الأدلة المتاحة مثل إيصالات الدفع وسجلات التحويلات المالية. كما يمكن اللجوء إلى الإدارة العامة لمكافحة جرائم الإنترنت للإبلاغ عن الواقعة والمساهمة في تتبع المتهمين. وعلى الصعيد القانوني، يُفضل استشارة محامين متخصصين لرفع دعاوى تعويض جماعية، خاصة إذا تمكنت الأجهزة الأمنية من استعادة جزء من الأموال المسروقة. في الوقت ذاته، يتعين على المستخدمين تأمين بياناتهم الشخصية من خلال تغيير كلمات المرور الخاصة بحساباتهم الإلكترونية.
نصائح لتجنب الوقوع في فخ التطبيقات المزيفة
مع انتشار هذه الأنواع من عمليات الاحتيال، قدم خبراء أمن المعلومات مجموعة من النصائح لتجنب الوقوع ضحية لمثل هذه المنصات:
١/ عدم تصديق الوعود بعوائد غير منطقية: لا يوجد استثمار يحقق أرباحًا ضخمة في فترة قصيرة دون مخاطرة حقيقية.
٢/ التأكد من التراخيص القانونية: يجب التحقق مما إذا كانت المنصة مسجلة لدى الجهات الرسمية المختصة.
٣/ الحذر من نظام الإحالات: المنصات التي تعتمد على جلب مشتركين جدد مقابل أرباح إضافية غالبًا ما تكون مخططات احتيالية.
٤/ مراجعة آراء الخبراء: استشارة مختصين في المجال المالي قبل الاستثمار في أي منصة جديدة.
٥/ عدم إرسال أموال دون ضمانات: تجنب إرسال الأموال إلى جهات غير معروفة أو غير موثوقة.